ومنهم من يرى أنّ الحقد خصلة محمودة في الملك، قال بزرجمهر [١]:
يجب أن يكون الملك أحقد من جمل، وأنا أناظره في هذا القول فأقول: كيف يقال كذلك والملك متى كان حقودا فسدت نيته لرعيّته فمقتهم، وقلّل الالتفات إليهم بالشفقة عليهم ومتى أحسّوا بذلك تغيّرت نياتهم له، وفسدت بواطنهم، وهل يتمكّن الملك مما يريده من مهمّات مملكته، وبلوغ أغراضه كما في نفسه، إلّا بصفاء قلوب رعيّته؟ وأيّ حكمة في ذلك؟ وهل فيه سوى تنغيص عيش الملك وتبغيض رعيّته إليه، وإيحاشهم منه؟ قال شاعر العرب [٢]:
ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
(طويل) خصوصا والناس مركّبون على الخطأ، ومجبولون على تشمير الطباع، فما أكثر ما تصدر منهم موجبات الحقد! فلا يزال الملك طول دهره يعاني من الغيظ والحقد عليهم، ما ينغّص عليه لذّته، ويشغله عن كثير من مهام مملكته، وما أكثر ما رأينا الرعيّة أو الجند قد وثبوا على ملوكهم، فسلبوهم رداء المملكة بل رداء الحياة! فابتدئ من عمر بن الخطاب، وقد وثب عليه لؤلؤة [٣] عبد المغيرة بن شعبة فقتله، ثم ثنّ بعثمان بن عفان- ﵁ وانظر كيف اجتمع عليه رعيّته من كلّ جانب، فحاصروه في داره أيّاما ثم دخلوا عليه فقتلوه، والمصحف في حجره حتى قطرت قطرات من دمه على المصحف، ثم ثلث بعليّ بن أبي طالب- ﵇ وقد ضربه عبد الرحمن بن ملجم- لعنه الله- بسيفه على أمّ رأسه
_________
[١] بزرجمهر: ابن البختكان، وزير حكيم فارسيّ له قصة تاريخ انتساخ كتاب «كليلة ودمنة» وله حكم منثورة في كتاب «عيون الأخبار» لابن قتيبة.
[٢] شاعر العرب: عنى به هنا المقنع الكندي، وقد اشتهر بقصيدته الفخرية الداليّة التي منها هذا البيت. اسمه محمد بن عميرة وهو من شعراء العصر الأموي توفي نحو/ ٧٠/ هـ.
[٣] هو أبو لؤلؤة المجوسيّ الفارسيّ. انظر حدث الاغتيال في «تاريخ الخلفاء» لجلال الدين السيوطي. طبع دار القلم العربيّ بحلب ص ١٤٢. وستلي أخبار مصارع الخلفاء الراشدين في صفحات لاحقة.
1 / 27