بني إسرائيل. وقد حاول ابن أبي الحديد أن يصور وجها لخوف زكريا من الموالي على الدين من ناحيتين: - (الاولى) عن طريق اصول الشيعة، فذكر أن دعوى امتناع مثل هذا الخوف على النبي غير مستقيم على مذهب الشيعة لأن المكلفين قد حرموا بغيبة الأمام عندهم ألطافا كثيرة الوصلة بالشرعيات كالحدود وصلاة الجمعة والأعياد، وهم يقولون في ذلك أن اللوم على الملكلفين لأنهم قد حرموا أنفسهم اللطف، فهلا جاز أن يخاف زكريا عليه السلام من تبديل لدين وتغييره وإفساد الأحكام الشرعية لأنه إنما يجب على الله التبليغ بالرسول إلى المكلفين، فإذا أفسدوا هم الأديان وبدلوها لم يجب عليه أن يحفظها عليهم لأنهم هم الذين حرموا أنفسهم اللطف (1). ولاسجل ملاحظتي على هذا الكلام ثم نتقل بك إلى الناحية الثانية. فأقول: إن الخوف من انقطاع النبوة إنما يصح على اصول الشيعة إذا نشأ عن احتمال إفساد الناس لدينهم على نحو لا يستحقون معه ذلك، كما هو الحال في زمان غيبة الأمام المنتظر صلوات الله عليه، لا فيما إذا كان سببه الاطلاع على عدم لياقة جماعة خاصة للنبوة مع استحقاق الناس لها. فإن إرسال الرسول، أو نصب من يقوم مقامه واجب في هذه الصورة على الله تعالى لما أوجبه على نفسه من اللطف بعباده. وإذن فقصور أبناء العمومة عن نيل المنصب الألهي لا يجوز أن ينتهي بزكريا إلى احتمال انقطاع النبوة
---
(1) راجع شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد 16: 257، الطبعة المحققة.
--- [183]
صفحة ١٨٢