إن علم الحديث وتفهم معناه هو علم عذب المشرب رفيع المطلب متدفق الينبوع متشعب الفصول والفروع فهو علم رفيع القدر عظيم الفخر شريف الذكر لا يعتني به إلا كل حبر ولا يحرمه الا كل غمر ولا تفنة محاسنه على ممر الدهر إذ به يعرف المراد من كلام رب العالمين ويظهر المقصود من حبله المتصل المتين ومنه يدري شمائل من سما ذاتا ووصفا وإسما وحسب الراوي للحديث شرفا وفضلا وجلالة ونبلا أن يكون أول سلسلة اخرها الرسول والى مقامه الشريف بها الانتهاء والوصول يقول الامام الخطيب في مقدمة الكفاية أما بعد فإن الله تبارك وتعالى أنقذ الخلق من نائرة الجهل وخلص الورى من زخارف الضلالة بالكتاب الناطق والوحي الصادق المنزلين على سيد الورى نبينا محمد المصطفى ثم أوجب النجاة من النار وأبعد عن منزل الذل والخسار لمن أطاعه في امتثال ما أمر والكف عما عنه نهى وزجر فقال { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } وطاعة الله في طاعة رسوله وطاعة رسوله في اتباع سنته اذ هي النور البهي والامر الجلى والحجة الواضحة والمحجة اللائحة من تمسك بها اهتدى ومن عدل عنها ضل وغوى ا هقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا تزال طائفة من امتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة وهو حديث متواتر روى من حديث ستة عشر صحابيا وقد نص على تواتره الامام ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الحجيم في أوائله أثناء كلام ونصه بل قد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال وذكر الحديث وكذلك نص على تواتره الكتاني في النظم المتناثر والحديث رواه البخاري ومسلم واحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم ولقد ثبت عن أهل العلم أن المراد بهذه الطائفة هم أهل الحديث منهم عبد الله بن المبارك قال هم عندي أصحاب لحديث وعلى بن المديني قال هم أصحاب الحديث وأحمد بن حنبل قال إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصاب الحديث فلا ادري من هم وأحمد بن سنان الثقة الحافظ روى الخطيب عن ابي حاتم قال سمعت احمد بن سنان وذكر الحديث فقال هم أهل العلم وأصحاب الأثر والبخاري روى الخطيب عن اسحاق بن احمد قال ثنا محمد بن اسماعيل البخاري وذكر الحديث فقال البخاري يعني أصحاب الحديث وقال في صحيحه وقد علق الحديث وجعله بابا وهم اهل العلم ولا منافاة بينه وبين ما قبله كما هو ظاهر لأن أهل العلم هم أهل الحديث وكلما كان المرء أعلم بالحديث كان أعلم في العلم ممن هو دونه في الحديث كما لا يخفى وقال في كتابه خلق أفعال العباد وقد ذكر بسنده حديث أبي سعيد الخدري في قوله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس قال البخاري هم الطائفة التي قال النبي صلى الله عليه واله وسلم فذكر الحديث قال الشيخ الالباني حفظه الله في الصحيحة وقد يستغرب بعض الناس تفسير هؤلاء الأئمة للطائفة الظاهرة والفرقة الناجية بأنهم أهل الحديث ولا غرابة في ذلك إذا تذكرنا ما يأتي أولا إن اهل الحديث هم بحكم اختاصهم في دراسة السنة وما يتعلق من معرفة تراجم الرواة وعلل الحديث وطرقه أعلم الناس قاطبة بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وهدية وأخلاقه وغزواته وما يتصل به ثانيا إن الأمة قد انقسمت إلى فرق ومذاهب لم تكن في القرن الاول ولكل مذهب أصوله وفروعه وأحاديثه التي يستدل بها ويعتمد عليها وإن المتمذهب بواحد منها يتعصب له ويتمسك بكل ما فيه دون أن يلتفت إلى المذاهب الاخرى وينظر لعله يحد فيها من الاحاديث ما لا يجده في مذهبه الذي قلده فإن من الثابت لدى أهل العلم أن في كل مذهب من السنة والاحاديث ما لا يوجد في المذهب الاخر فالمتمسك بالمذهب الواحد يضل ولا بد عن قسم عظيم من السنة المحفوظة لدى المذاهب الاخرى وليس على هذا أهل الحديث فإنهم يأخذون بكل حديث صح إسناده في أي مذهب كان ومن أي طائفة كان راويه ما دام أنه مسلم ثقة حتى لو كان سيعيا او قدريا او خارجيا فضلا عن أن يكون حنفيا أو مالكيا او غير ذلك وقد صرح بهذا الامام الشافعي رضي الله عنه حين خاطب الامام احمد بقوله أنتم أعلم بالحديث مني فإذا جاءكم الحديث صحيحا فأخبرني به حتى اذهب اليه سواء كان حجازيا أم كوفيا أم مصريا فأهل الحديث حشرنا الله معهم لا يتعصبون لقول شخص معين مهما علا وسما حاشا محمدا صلى الله عليه وسلم بخلاف غيرهم ممن لا ينتمي إلى الحديث والعمل به فإنهم يتعصبون لاقوال ائمتهم وقد نهوهم عن ذلك كما يتعصب أهل الحديث لاقوال نبيهم فلا عجب بعد هذا البيان أن يكون أهل الحديث هم الطائفة الظاهرة والفرقة الناجية بل والأمة الوسط الشهداء على الخلق ا هوقال الخطيب في مقدمة الكفاية منكرا على أهل الرأي منتتصرا لأهل الحديث أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن جعفر الخرقى أنا احمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلى قال حدثنا أبو العباس احمد بن علي الأبار قال رأيت بالأهواز رجلا حف شاربه وأظنه قد اشترى كتبا وتعبأ للفتيا فذكر أصحاب الحديث فقال ليسوا بشيء وليس يسوون شيئا فقلت له أنت لا تحسن تصلى قال أنا فقلت نعم قلت إيش تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتحت الصلاة ورفعت يديك فسكت فقلت وإيش تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضعت يديك على ركبتيك فسكت قلت إيش تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجدت فسكت قلت مالك لا تتكلم ألم أقل لك إنك لا تحسن تصلى انما قيل لك تصلى الغداة ركعتين والظهر أربعا فالزم ذا خير لك من أن تذكر أصحاب الحديث فلست بشيء ولا تحسن شيئا ثم قال رحمه الله تعالى في أهل الحديث وأما المحققون فيه المتخصصون به فهم الأئمة العلماء والسادة الفقهاء أهل الفضل والفضيلة والمرتبة الرفيعة حفظوا على الأمة احكام الرسول وأخبروا عن أنباء التنزيل وأثبتوا ناسخه ومنسوخه وميزوا محكمة ومتشابهه ودونوا أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وضبطوا على اختلاف الأمور أحواله في يقظته ومنامه وتعوده وقيامه وملبسه ومركبه ومأكله ومشربه حتى القلامة من ظفرة ما كان يصنع بها والنخامة من فيه كيف كان يلفظها وقوله عند كل فعل يحدثه ولدى كل موقف يشهده تعظيما لقدرة صلى الله عليه وسلم ومعرفة بشرف ما ذكر عنه وعزى اليه وحفظوا مناقب صحابته وماثر عشيرته وجاءوا بسير الانبياء ومقامات الاولياء واختلاف الفقهاء ولولا عناية اصحاب الحديث يضبط السنن وجمعها واستنباطها من معادنها والنظر في طرقها لبطلت الشريعة وتعطلت احكامها إذ كانت مستخرجة من الاثار المحفوظة ومستفادة من السنن المنقولة فمن عرف للإسلام حقه وأوجب للدين حرمته أكبر أن يحتقر من عظم الله شأنه وأعلى مكانه وأظهر حجته وأبان فضيلته ولم يرتق بطعنه الى حزب الرسول واتباع الوحي واوعية الدين وخزنى العلم الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه فقال والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم رضوا عنه وكفى المحدث شرفا أن يكون اسمه مقرونا باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره متصلا بذكره ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ا هوقال رحمه الله تعالى في مقدمة كتاب شرف أصحاب الحديث لأن الحديث يشتمل على معرفة أصول التوحيد وبيان ما جاء من وجوه الوعد والوعيد وصفات رب العالمين تعالى عن مقالات الملحدين والإخبار عن صفة الجنة والنار وما إعد صفة الجنة والنار وما أعد الله فيهما للمتقين والفجار وما خلق الله في الأرضين والسماوات وصنوف العجائب وعظيم الايات وذكر الملائكة المقربين ونعت الصافين والمسبحين وفي الحديث قصص الأنبياء وأخبار الزهاد والاولياء ومواعظ البلغاء وكلام الفقهاء وسير ملوك العرب والعجم واقاصيص المتقدمين من الأمم وشرح مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه وجعل احكامه وقضاياه وخطبه وعظاته واعلامه ومعجزاته وعدة ازواجه واولاده واصهاره واصحابه وذكر فضائلهم وماثرهم وشرح اخبارهم ومناقبهم ومبلغ اعمارهم وبيان انسابهم وفيه تفسير القران العظيم وما فيه من النبأ والذكر الحكيم وأقاويل الصحابة في الاحكام المحفوظة عنهم وتسمية من ذهب الى قول كل واحد منهم من الأئمة الخالفين والفقهاء المجتهدين وقد جعل الله اهله اركان الشريعة وهدم بهم كل بدعة شنيعة فهم أمناء الله في خليقته والواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأمته والمجتهدون في حفظ ملته أنوارهم زاهرة وفضائلهم سائرة واياتهم باهرة ومذاهبهم ظاهرة وحججهم قاهرة وكل فئة تتحيز الى هوى ترجع اليه وتستحسن رأيا تعكف عليه سوى أصحاب الحديث فإن الكتاب عدتهم والسنة حجتهم والرسول فئتهم وإليه نسبتهم لا يعرجون على الاهواء ولا يلتفتون إلى الاراء يقبل منهم ما رووا عن الرسول وهم المأمونون عليه العدول حفظة الدين وخزنته وأوعية العلم وحملته إذا اختلف في حديث كا اليهم الرجوع فما حكموا به بهو المقبول المسموع منهم كل عالم فقيه وامام رفيع نبيه وزاهد في قبيلة ومخصوص بفضليه وقارىء متقن وخطيب محسن وهم الجمهور العظيم وسبيلهم السبيل المستقيم وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر وعللا الافصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر من كادهم قصمه الله ومن عاندهم خذله الله لا يضرهم من خذلهم ولا يفلح من اعتزلهم المحتاط لدينه الى ارشادهم فقير ويصر الناظر بالسوء اليهم حسير وإن الله على نصرهم لقدير ا ه
صفحة ١١