الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء
الناشر
مكتبة نزار مصطفى الباز
مكان النشر
الرياض
تصانيف
السياسة الشرعية والقضاء
وَالْعدْل فِي الْقلب: أَن يحفظه من الغل، والحقد، والحسد، والبغض والعداوة. وَالْعدْل فِي الْبدن: أَن يحفظه من لبس الْحَرَام. وَبعد ذَلِك يجب على الْملك أَن يحفظ جَمِيع الْمَذْكُورَات على طَاعَة الله تَعَالَى وعبادته، وَيمْنَع جَمِيع الْأَعْضَاء عَن الْعَمَل الَّذِي يدْخل بِسَبَبِهِ النَّار، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا﴾ (التَّحْرِيم: ٦) . فَمن خرج عَن عُهْدَة الْعدْل الْخَاص يُمكن أَن يخرج عَن عُهْدَة الْعدْل الْعَام، لقَوْل عَليّ كرم الله وَجهه: " رَجعْنَا من الْجِهَاد الْأَصْغَر إِلَى الْجِهَاد الْأَكْبَر ". وَالْمرَاد من الْجِهَاد الْأَصْغَر الْجِهَاد مَعَ الْكفَّار وَالْمرَاد من الْجِهَاد الْأَكْبَر: الْجِهَاد مَعَ النَّفس، بِأَن يحفظ نَفسه على مَا أَمر الله تَعَالَى عَلَيْهِ، وَيمْنَع نَفسه عَمَّا نهى الله تَعَالَى عَنهُ. وَقيل: الْعدْل الْخَاص أسهل من الْعدْل الْعَام - وَهُوَ الْعدْل بَين الْخَلَائق - فكم من الْمُلُوك من يقدر على الْعدْل على نَفسه، وَلَا يقدر على الْعدْل بَين الْخَلَائق؟ لِأَن الْعدْل بَين الْخَلَائق هُوَ خلَافَة الله - تَعَالَى - عَبده فِي أرضه، وَهُوَ أشق الْأَشْيَاء، ولكثرة مشقته كَانَ ثَوَابه أعظم، وَلِهَذَا قيل: لَيْسَ للملوك أفضل شَيْء ثَوابًا من الْعدْل على رَعيته.
وَلِهَذَا قَالَ ﵇: " إِن المقسطين عِنْد الله على مَنَابِر من نور عَن يَمِين الرَّحْمَن - وكلتا يَدَيْهِ يَمِين - الَّذين يعدلُونَ فِي حكمهم وأهليهم، وماولوا ". وَقَالَ ﵇: " إِن أفضل عباد الله منزلَة إِمَام عَادل رَفِيق ".
وَلأَجل شرف الْعدْل عِنْد الله تَعَالَى، وَرفع مَنْزِلَته عِنْده، كَانَ ثَوَابه سَاعَة مثل ثَوَاب عبَادَة سِتِّينَ سنة.
1 / 189