فلعل منهم من حمله على ذلك محبة السكون والدعة، وعدم
الاضطراب والزعزعة، والسلامة عن شوائب دنيوية تعرض لملتزم العروة الإمامية، كان حي والدنا الإمام علي بن المؤيد عليه السلام إذا سئل عن أعيان بايعوه وتابعوه أول الزمان، ثم رفضوا ذلك الشأن، يقول عليه السلام : غلب عليهم حب المدن، ولعل منهم من دعاه إلى ذلك الأنفة عن الانخراط في سلك الأتباع، والتعاظم أن يعد من زمرة الأشياع، وما كان ذلك يليق بذي ديانة وتحقيق، فإن الكبر على كل تقدير مذموم، وصاحبه في الدنيا منتقص ملوم، وفي الآخرة للجنة التي وعد المتقون محروم، فكيف إذا صد عن القيام بما أوجب الله تعالى من حقوق الإمام، ولعل منهم من يعتقد أن الإمامة درجة مرتفعة لا ينالها أحد من أهل الأزمان المتأخرة، ورتبة منيعة عليهم متنكرة متوعرة، وأنها أمر قد طوى وتعذر بكل حال، وما كانت إلا منذ مدة الإمام فلان، فما قبلها من الأزمان، وهذه جهالة ونوع ضلالة، فلم يكن مثل ذلك حجرا محجورا، وما كان عطاء ربك محظورا، وغير مستبعد لا مستبدع أن يدخر لكثير من المتأخرين ما عزب عن كثير من المتقدمين، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، وليس في العقل ولا في الشرع ما يقضي بأن شرائط الإمامة قد تعذرت، وأن مسالك الساعين إليها قد توعرت.
[3]- حكم من امتنع من بيعة الإمام
الذي ذكره الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في كتابه الأحكام: أنها تطرح شهادته، وتسقط عدالته، ويحرم نصيبه من الفيء.
قال الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام : سقطت عدالته؛ لأن الإجماع منعقد على فسقه بمخالفته الإمام فيما تعود مصلحته على عامة المسلمين، قال عليه السلام : وإنما طرحت شهادته فلأنا إذا حكمنا عليه بالفسق لم يكن مقبول الشهادة، وأما تحريم الفيء فإنما يستحق بالنصرة للإمام والكون تحت طاعته، انتهى.
صفحة ١٨٠