وقد قلنا: إن قول العلامة المحقق ابن الهمام رحمه الله تعالى في ((التحرير)) الذي قدمته لا يرجع فيما قلد فيه اتفاقا، معناه: الرجوع في خصوص العين لا في خصوص الجنس فنقض ما فعله مقلدا في فعله إما بالصلاة طهر بمسح ربع الرأس ليس له إبطالها باعتقاده بعد التمام لزوم مسح كل الرأس، كما قد علمته، لا الرجوع بمعنى منع الشخص من تقليده غير إمامه في شيء بفعله، مخالفا لما صدر منه كصلاة يوم على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة، وصلاة يوم على مذهب غيره، وإن كان المراد بالرجوع العمل في نظير ما مضى بخلاف معتقد من قلده كما يتراءى من ظاهر متن ((التحرير)) وشرحيه، ففي كل منهما خلافه مع ذلك، قد علمت تقييده بما تقدم.
واعلم أنه يصح التقليد بعد الفعل كما إذا صلى ظانا صحتها على مذهبه، ثم تبين بطلانها في مذهبه وصحتها على مذهب غيره، فله تقليده ويجتزئ بتلك الصلاة على ما قال في ((البزازية))(1).
فتحصل مما ذكرناه أنه ليس على الإنسان التزام مذهب معين، وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهبه مقلدا فيه مستجمعا شروطه، ويعمل بأمرين متضادين في حادثتين لا تعلق لواحدة منها بالأخرى، وليس له إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر؛ لأن إمضاء الفعل كإمضاء القاضي لا ينقض.
صفحة ٢٧