فقلت للديراني: لا بد من أن تختار. فقال: الاختيار والله في هذا دمار، وما خلق الله عقلًا يميّز بين هذين! ولحقهما الموكب، فارتاع الديراني. فقال له المعتز: بحياتي لا تنقطع عمّا كنّا فيه، فإني لمن ثمّ مولى ولمن ها هنا صديق، فمزحنا ساعة، ثم أمر له بخمسمائة ألف درهم. فقال: والله ما أقبلها إلا على شرط. قال: وما هو؟ قال: يجيب أمير المؤمنين دعوتي مع من أراد. قال: ذلك لك، فاتفقنا ليوم جئناه فيه، فلم يبق غاية، وأقام للموكب كله، ما احتاج إليه، وجاءنا بأولاد النصارى يخدموننا، ووصله المعتزّ يومئذ صلة سنية، ولم يزل يعتاده ويقيم عنده، ويشرب مدة حياته.
دير المزعوق
دير المزعوق ويقال دير ابن المزعوق، وهو قديم بظاهر الحيرة.
كره أبو الفرج وأنشد لمحمد بن عبد الرحمن الثرواني فيه وفي دير فاثيون:
قلتُ له والنجومُ جانحةُ ... في ليلة الفصح أولَ السَّحرِ
هل لك في مار فاثيون وفي ... دير ابن مزعوق غير مقتصرِ؟
يفيض هذا النسيم من طرف ... الشام ودرّ النَّدى على الشَجَرِ
ونسأل الأرض عن بشاشتها ... وعَهدِها بالرَّبيع والمَطر
يا لك طيبًا وشمّ رائحةٍ ... كالمسك يأتي بنفحةِ السَّحَرِ
في شُربِ خَمرٍ وسمع محسنةٍ ... تلهيك بين اللّسان والوَتَرِ
قال: ودير فاثيون أسفل النجف.
ودير ابن مزعوق بحذاء قصر عبد المسيح بأعلى النجف.
وفيه يقول الثرواني:
تقلّبُ طرفَ عينك من بعيدٍ ... شبيهًا بالمودّة والوعيدِ
تقرُّ بطرفِ عينِك لي بوصلٍ ... وفعلك لي مقرٌ بالجحودِ
تشككني وأعلم أنّ هذا ... هوى بين التعطفِ والصُدودِ
هواك هوى تجدّده الليالي ... ولا يبلى على مرّ العُهودِ
وقال أيضًا:
كرّ الشراب على نشوان مصطبحٍ ... قد هبَّ يشربها والديكُ لم يصحِ
والليلُ في عسكرٍ جمّ بوارقُه ... من النجوم وضوء الصبح لم يَلحِ
والعيش لا عيش إلا أن تباكرها ... صهباء تقتل همّ النفس بالفَرحِ
حتّى يظلَّ الذي قد بات يشربها ... ولا براح به يختال كالمرح
وتشوَّق إليه الثرواني من بغداد، فقال:
ديرُ الحريق وبيعةُ المزعوق ... بين الغدير وقبّة السنّيقِ
أشهى إليَّ من الصّراة وطيبها ... عند الصَّباح ومن دُجى البطريقِ
يا صاح! فاجتنب الملام أما تَرى ... سَمِجًا ملامَك لي، وأنت صَديقي؟
دير نَجْران
دير نجران وهو باليمن، وتسميه العرب كعبة نجران، وهو لآل عبد المدان بن الديان من بني الحارث بن كعب، ومنه جاء القوم الذين أرادوا مباهلة النبي، ﷺ.
وقد ذكره أبو الفرج الأصبهاني وقال: إنه كان لآل عبد المدان، سادة بني الحارث.
قال: وكان أهل ثلاثة بيوت من اليمن نصارى، يتبارون في البِيع وزيِّها وحسن بنائها: آل المنذر بالحيرة، وغسان بالشام، وبنو الحارث بن كعب بنجران، فتكون دياراتهم في المواضع الكثيرة الشجر والرياض والغدران، الشامخة البناء، ويجعلون آلاتها من الذهب والفضة، وستورها من الديباج، ويجعلون في حيطانها الفسافس، وفي سقوفها الذهب، وكان بنو الحارث على ذلك، إلى أن جاء الإسلام.
وفي كعبتهم هذه قال الأعشى أعشى قيس بن ثعلبة:
وكعبةُ نجران حَتْمٌ علي ... كِ حتّى تُناخي بأبوابها
نزورُ يزيدَ وعبدَ المسيح ... وقيسًا وهم خيرُ أربابها
إذا الحَبراتُ تلوَتْ بهمْ ... وجرُّوا أسافل هُدّابها
وشاهدُنا الجُلّ والياسم ... ين والمسمعاتُ بُقصّابِها
ويربطنا معملٌ دائبٌ ... فأيُّ الثلاثةِ أزرى بِها؟
قال: وفي هذا الشعر غناء حسن، أخذه جحظة عن بنان.
دير هِند الصُغرى
دير هند الصغرى بالحيرة.
قال أبو الفرج الأصبهاني: وبالحيرة دير هند بنت النعمان بن المنذر، ودخل عليها خالد بن الوليد فقال لها: أسلمي حتى أزوجك رجلًا من المسلمين شريفًا أصيلًا يشبهك في حسبك، فقالت: أما ديني فمالي عنه رغبة، ولا أبغي به بدلًا، وأما التزويج، فلو كانت فيَّ بقية ما تزوجت ولا رغبت فيه، فكيف وأنا عجوز، هامة اليوم أو غد، قال لها: - فسليني حاجة أقضيكها، قالت:
1 / 27