أن الذي هاج سليمان بن عبد الملك على ما صنعه بمن كان بالمدينة من المخنثين، أنه كان مستلقيًا على فراشه في الليل، وجارية له إلى جنبه، وعليها غلالة ورداء معصفران، وعليها وشاحان من ذهب، وفي عنقها فصلان من لؤلؤ وزبرجد وياقوت، وكان سليمان بها مشغوفًا، وفي عسكره رجل يقال له سمير الأبليّ يغنّي، فلم يفكر سليمان في غنائه شغلًا بها وإقبالًا عليها، وهي لاهية عنه لا تجيبه مصغية إلى الرجل، حتى طال ذلك عليه، فحول وجهه عنها مغضبًا، ثم عاد إلى ما كان مشغولًا عن فهمه بها، فسمع سميرًا يغني بأحسن صوت وأطيب نغمة:
محجوبة سمعت صوتي فأرقها ... من آخر الليل حتى شفها السهرُ
تدني على جيدها ثنيي معصفرة ... والحلي منها على لباتها خصرُ
في ليلة النصف ما يدري مضاجعها ... أوجهها عنده أبهى أم القمر
ويروى:
أوجهها ما يرى ... أم وجهها القمر
لو خليت لمشت نحوي على قدم ... تكاد من رقة للمشي تنفطر
- الغناء لسمير الأبلي رمل مطلق بالبنصر عن حبش.. وأخبرني ذكاء وجه الرزة أنه سمع فيه لحنًا للدلال من الثقيل الأول.
- فلم يشكك سليمان أن الذي بها مما سمعت، وأنها تهوى سميرًا، فوجه من وقته من أحضره وحبسه، ودعا لها بسيف ونطع، وقال: والله لتصدقني أو لأضربن عنقك! قالت: سلني عما تريد، قال: أخبريني عما بينك وبين هذا الرجل؟ قالت: والله ما أعرفه ولا رأيته قط، وأنا جارية منشئي الحجاز، ومن هناك حملت إليك، ووالله ما أعرف بهذه البلاد أحدًا سواك، فرقّ لها وأحضر الرجل فسأله، وتلطف له في المسألة، فلم يجد بينه وبينها سبيلًا، ولم تطب نفسه بتخليته سويًا فخصاه، وكتب في المخنثين بمثل ذلك.
هذه الرواية صحيحة.
دير درزيجان
دير درزيجان: قرب بغداد، على دجلة، بالجانب الغربي منها قال لي أبو الحسن الواسطي الصوفي: قرأت على حائط دير بدرزيجان: حضر فلان بن فلان الدمشقي وهو يقول:
لئن كان شحط البين فرّق بيننا ... فقلبي ثاوٍ عندكم ومقيم
دير الرصافة
دير الرصافة: ذكر ابن عساكر أن اسمه " دير حنينا "، وأن اسم صاحب القصيدة: الفرخ. وأن المتوكل أمر بهدم الدير: ابن عساكر - مخطوطة الظاهرية - ١٩ - ق ١٤٥.
قال البكري: هو بدمشق ٢ - ٥٨٠.
- أوضح ياقوت أن هذا الدير يقع في رصافة هشام وهي تبعد عن دمشق ثمانية أيام.
معجم البلدان) دير الرصافة (.
- يستدل من البكري أنه من بناء الروم.. الروم الملكية.
البكري.
- ذكر ياقوت أنه رأى الدير، وقرر أنه من عجائب الدنيا حسنًا وعمارة.
معجم البلدان) دير الرصافة (- وفي هذا الدير قال شاعر مشيرًا إلى مجده، ومعرضًا بالأمويين:
نراك جزعت يا دير الرصافة ... غداة تحولت عنك الخلافه!
فلا تجزع وتذري الدمع حزنًا ... فإن لكل مجتمعين آفه!
دير الرصافة
في رصافة هشام بن عبد الملك
اجتاز أبو نواس بهذا الدير وقال فيه:
ليس كالدير بالرصافة دير ... فيه ما تشتهي النفوس وتهوى
بته ليلة فقضيت أوطا ... رًا ويومًا ملأت قطريه لهوًا
قال أبو الفرج: حدثني جعفر بن قدامة، قال: حدثني أبو عبد الله بن حمدون قال: كنت مع المتوكل لما خرج إلى الشام، فركب يومًا من دمشق يتنزه في رصافة هشام، يزور قصوره وقصور ولده، ثم خرج، فدخل ديرًا هناك قديمًا، من بناء الروم، بين أنهار ومزارع وأشجار، فبينما هو يدور فيه، إذ بصر برقعة ملصقة، فأمر أن تقلع، فقلعت، فإذا فيها:
أيا منزلًا بالدير أصبح خاليًا ... تلاعب فيه شمال ودبورُ
كأنك لم تسكنك بيض أوانس ... ولم يتبختر في فنائك حورُ
وأبناء أملاك عباشم سادة ... صغيرهم عند الأنام كبيرُ
إذا لبسوا أدراعهم فعنابس ... وإن لبسوا تيجانهم فبدورُ
على أنهم يوم اللقاء ضراغم ... وأنهم يوم العطاء بحورُ
وحولك رايات لهم وعساكر ... وخيل لها بعد الصهيل شخيرُ
ليالي هشام في الرصافة قاطن ... وفيك ابنه يا دير وهو أميرُ
إذ العيش غض والخلافة لدنة ... وأنت طرير والزمان غريرُ
وروضك مرتاض، ونورك نير ... وعيش بني مروان فيك نضيرُ
1 / 12