وهكذا نرى أن الإمام عليا عليه السلام استطاع بأسلوبه ذلك أن يصوغ الكلام صياغة بليغة في مختلف المناحي الدينية والفكرية، وفي شتى الميادين العلمية والعملية، وهو في كل ذلك يحافظ على الجمال في التعبير، وسرعة تغلغله في طوايا النفوس وتأثيره، وشمول مدلوله وتركيبه، وهاك على سبيل المثال قوله: (قيمة كل امرئ ما يحسنه)، فهذه الحكمة الجامعة تلقى من علماء البيان أشد الإعجاب وأصدقه، فها هو الجاحظ المعروف بأدبه وعلمه عند الخاص والعام، ينقل عنه الشهيد مرتضى المطهري في كتابه (في رحاب نهج البلاغة) ص23، ينقل عنه ثناءه على هذه الحكمة في كتابه (البيان والتبيين): (فلو لم نقف من كتابنا هذا إلا على هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية، ومجزية مغنية، بل لوجدناها فاضلة على الكفاية، وغير مقصرة عن الغاية، وكأن الله عز وجل قد ألبسه من الجلالة، وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه وتقوى قائله).
هذا بالإضافة إلى المكانة السامية التي تبوأها الإمام علي عليه السلام في حياة المسلمين وتأريخهم منذ بزوغ فجر الدعوة النبوية، وموقعه من نفس الرسولصلى الله عليه وآله وسلم، وإيثاره له وإشادته بمناقبه وفضائله وإظهار خصائصه ومزاياه على جموع الملأ من الناس وفي مختلف المحافل، كل تلك العوامل مجتمعة وغيرها كانت دوافعا قوية لالتفاف الناس حوله وإقبالهم على استماع كلامه ومواعظه والحرص الشديد على حفظها، ليشكل ذلك لهم منهجا وسلوكا يسيرون على ضوئه، ويحتذون على مثاله، فأمير المؤمنين عليعليه السلام مع الحق والحق معه، كما قاله الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
صفحة ١٧