[البحث الأول في حقيقة الغيبة]
البحث الأول في حقيقتها
وهي أن تذكر غائبا معينا متسترا بما فيه من النقص مما يكرهه لو بلغه لنقصه بما لا ينقص دينه، سواء كان نقصا في بدنه ونسبه، أو معنته أو خلقه، أو فعله أو ثوبه، أو غيره مما يتعلق به، كالقصير والنبطي والأسكافي، وكثير الكلامن وطويل الأكمام، وذي الفرس المكسور، والدار المهجور، فإن ذكرت ذلك لا لنقصه بل لتعريفه كالأعمس للمحدث المعروف، أو لنقص غير متسترا أو غير معين، محو ما بال أقوام يفعلون كذا، كما كان صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك، والمقصود واحد بعينه، فذلك جائز، فإن ذكرت بذلك حاضراص فتحريمه لكونه أذية لا غيبة.
وأما ذكر الغائب بما ليس فيه فذلك بهتان، وهو أشد من الغيبة، قيل: لأن فيه جمعا بينها وبين الكذب.
قلت: الغيبة والكذب لا يجتمعان، إذ الغيبة ذكر الغائب بما فيه فهي خبر صادق، وقيل: لأن فيه جمعا بين النميمة والكذب.
قلت: لا نميمة إذ هي إفشاء السر، وهتك السرت عما يكره كسنه.
قلت: ولو قيل إن وجه الشدة هو أن الباهت يحتاج إلى التخلص في ثلاثة مواضع يتوب إلى الله تعالى، ويتحلل من بهته، ويعلم من تكلم عندهم بأنه كاذب فيما قال على فلان لكان أولى.
فإن قلت: كيف كان البهتان أشد من الغيبةن وقد ورد أيضا أن الغيبة أشد من الزنا، فجعل الزنا أخف الثلاثة والبهتان أشدها فالغيبة وسطها؟
صفحة ٥