نعم قيل موانع الخيرات ارتكاب الشهوات، وتأثير الملذات، وتطويل الأمل، والاشتغال ..............العمل، فمن سلم من هذه الأربعة فقد هدي إلى صراط مستقيم، ولولا أن السؤال ورد في الغيبة لكان ذكر الآفات القلبية بالتقديم أولا؛ لأن القلب أشرف الأعضاء، إذ به يحصل التفكر في عجائب صنع الله الذي أتقن كل شيء، ويكفيك أيها الإنسان تفكرك فيك {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}[الذاريات:21] فقد جمع فيك العالم الأكبر، ولبعض العارفين: يا خلاصة الوجود فيك كل موجود، ضحكك كالرعود، وتبسمك كالبرق ودمعك كالمطر، وعقلك في القلب كالشمس، ورجلام في رسوخها كالجبال، ورأسك كالسمرات،.............السبعة كالكواكب السبعة السيارات، ويديك كالأرض، وعقلك في القلب كالسلطان، وبين يديهالخدم والأعوان، وهي الجوارح، فإذا خطر فيك خاطر الحركة قامت له الأعوان من السمع والبصر واليد والرجل واللسان والعين زائد، والسمع صاحب خير، واللسان ترجمان، واليد حارس يرد ما يرد من الآفات، والقدم مطية ومركب، والفكر جاسوس للقلب، وظهرك يضاهي جانب الدنيا الخراب، ووجهك يضاهي جانبها العمران، وجعلت العين في الرأس لتكون مشرفة على جميع العضاء، كالطليعة للعسكر، وجعلت في كهف حراسة لها، وتوقيرا لضوئها باجتماع شعاعها، والقت من سبع طبقات كالقشور المتراكبة لو فسدت واحد فسد البصر، وجعل لها أهداب لتدفع ما يطير إليها، ولتعدل الضوء بسواده، وخلق الأنف ليخص فيه الريح المستنشق لترويح الرئة والدماغ والفم، وعاء الكلام واللسان عضو النطق، وآلة لتقليب الطعام المخضوع، والمضغ يقع في جانبي الفم حراسة لأداة النطق، واللسان حاكم إليه تمييز الذوق، وتقطيع الصوت، وإخراج الحروف، والشفة غطاء الفم والأسنان وتحبس اللعاب، وعون على الكلام، وجمال في الصورة، واللهاة باب موصد على مخرج الصوت تقدره، والأسنان تقطع لحدتها، والنياب تكسر، والأضراس تطحن لعرضها، وخص الفك الأسفل بالتحريك صيانة للأعلى عنه لاشتماله على الأعضاء الشريفة، وعين الماء تنبع من تحت اللسان لبل الطعام وإلا لم يمص يابس، وجعلت الأذن صدفا معوجا لتحبس الصوت لمجمعه، وجعل ماؤها مرا لتندفع الحشرات عنها، وماء العين مالحا لأنها شحمة لولا ذلك لذابت، وما الفم عذبا لتطييب طعم المطعم، وجعل فيه القوى الأربع الحادية وإلا لما اشتهى الطعام، والماسكة وإلا لخرج كما دخل، ألا ترى أن المثانة قربة ماء مفتوح رأسها على الدوام حتى عند المنام، وفمها إلى أسفل، ومع ذلك لا يخرج ماؤها، والهاظمة وإلا لما هظم الطعام، ألا ترى أن الإنسان يأكل الأشياء الشديدة ويخرج كما ترى، ولولا الدافعة لما خرجت فضلة الطعام، وذلك لأن الكبد طباخ وقسام، فيقسم ويعطي الصافي الخالص جميع العروق، ويترك النخالة التي لا تصلح لها فتخرجها الدافعة إلى السبيلين، وجعلت الأصابع دقيقة لتعمل الأشياء اللطيفة كالكتابة والصناعة، وجعل الكف قعرى ليحفظ ما جعل فيها، والأصابع عظام شتى لتحوي على قعرى الكف بالقبض كالقفل للإحراز، ولم يخل عن العظام لتكون أفعالها قوية، ولم تكن عظما واحدا لئلا يعسر إقفالها، وجعلت عظام قواعدها أغلظ من رؤسها لتحس المناسبة بين الحامل والمحمول، ولم فيها مخ ولا تجويف لتكون أقوى على القبض والحركة، وجعلت الإبهام كالضامة على ما تقبض، وجعل القلب قوي الذات، كثير الحجب ليكون أبعد من الآفات، وفي وسط الصدر؛ لأنه أعدل الأماكن، وجسمك مركب من اثني عشر وصلا، وله مائتان وثمانية وأربعون عظما، وثلاثمائة وستون عرقا، والعظام تمسك الجسد والعثب واللحم بشدة، والعروق تسقيه، والجسم مركب من تسع طبقات لو اختل أحدها بطل نظامه، الشعر ثم الجلد، ثم الشحم ثم العروق، ثم اللحم ثم الدم، ثم العصب ثم العظم، ثم المخ، ومن العظام أساس للبدن، فقارة الصلب يبني عليها الجسد وأمنها كالمجن، مثل عظيم النافوخ،..........جعل حية للدماغ وهو من عظائم متخلخلة، وله ثلاثة ذرود..................الدماغ بالتحلل، ثم لكل يد واحد وأربعون عظما، للكف خمسة وثلاثون، والساعد عظمان، والعضد عظم واحدة، والتراقي ثلاثة، وكذلك اليد الأخرى، ولكل رجل ثلاثة وأربعون عظما، للقدم منها خمسة وثلاثون، وللساق عظمان، وللركبة ثلاثة، والورك عظمان، وللصلب من الفقار ثمانية عشر من تحت الرقبة إلى عجب الذنبن وهذا العجب من العجائب أول ما يخلق وآخر ما يخلق، ولكل جنب تسعة أضلع، وللرقبة ثمانية أعظم، وللرأس ستة وثلاثون، الأسنان من ذلك اثنتان وثلاثون، وطول الأمعى خمسة أذرع.
ثم فيك شبه من جميع الحيوان، ملكي ينفع ولا يضر من نحو العقل والحلم، والعلم والكرم، والتقوى والتواضعن وسبعي تضر ولا تنفع من نحو الكبر والصولن والغضب والحسد، وبهيمي كالأنعام من الأكل والشرب، والكسل، وشيطاني من الحيل والمكر والتلبيس، وفيك كبر إبليس وحسد قابيل، وعتو عاد وتمرد نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، ووقاحة هامان، وهوى بلعام، ورعونة الطاووس، وحرض الغراب، وشره الكلب، وحملة الخنزير، وروغان الثعلب، وبلادة الحمار، ودناءة الجعل، وعقوق الضب، وحقد الجمل، ..........الفرس، ووثوب الفهد، وصولة الأسد، وشر الحية ومكر الفارة، وعبث القرد، فرض نفسك وجاهدها لتغطي عيوبها، ففيك عبرة {إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار}[آل عمران:13].
صفحة ٢٢