شكل 3-7: طول المسار ومعامل التكتل في النموذج بيتا. كما هو الحال مع النموذج ألفا (انظر الشكل
3-4 )، تظهر شبكات العالم الصغير عندما يكون طول المسار صغيرا ومعامل التكتل كبيرا (المنطقة المظللة).
الملاحظة الرئيسية هنا هي أن عددا قليلا من الروابط العشوائية القليلة فقط يمكن أن يكون له أثر كبير للغاية. وكما ترى في الشكل
3-7 ، عندما تزيد قيمة بيتا عن الصفر، يهبط طول المسار هبوطا شديدا وبسرعة تحول دون تمييزه عن المحور الرأسي. في الوقت نفسه، من خلال تقليص المسافة بين الكثير من أزواج نقاط التلاقي، يحد كل طريق مختصر من التأثير الثانوي لأي طرق مختصرة تالية، ومن ثم تقل سرعة هبوط الطول عندما يبدأ، ليقترب برفق من حد الرسم البياني العشوائي. وفيما يتعلق بهذا النموذج البسيط، تتمثل إحدى النتائج المفاجئة في أنه في المتوسط، تقلل أول خمس عمليات مد عشوائية من متوسط طول المسار للشبكة بمقدار النصف، بصرف النظر عن حجم الشبكة. وكلما كبر حجم الشبكة، عظم تأثير كل رابط عشوائي، ومن ثم يصبح تأثير إضافة روابط أخرى مستقلا بالفعل عن الحجم . يتسم قانون تخفيض النتائج بالقدر نفسه من إثارة الدهشة، يتطلب التخفيض بنسبة 50 بالمائة أخرى (ليكون متوسط طول المسار الآن ربع قيمته الأصلية) خمسين رابطا آخر تقريبا، أي ما يساوي تقريبا عشرة أضعاف ما هو مطلوب من أجل التخفيض الأول ونصف المقدار المطلوب من أجل التأثير الكلي. تتطلب التخفيضات التالية قدرا أكبر من الروابط العشوائية - أي المزيد من عدم النظام - لتحقيق تأثيرات أقل. في الوقت نفسه، يستمر معامل التكتل، كالسلحفاة التي تطارد أرنبا، في هبوطه البطيء والمنتظم، ليلحق في النهاية بالطول المميز لحالة انعدام النظام التام.
تكون النتيجة النهائية هي العثور ثانية على مساحة كبيرة في فضاء الشبكات بين النظام التام وانعدام النظام التام، يكون فيها التكتل المحلي كبيرا وأطوال المسارات العامة صغيرة. هذه هي شبكات العالم الصغير. وكما هو الحال في النموذج ألفا، لا يمكن للأفراد الموجودين في مكان ما بشبكة العالم الصغير تحديد نوع العالم الذي يعيشون فيه؛ فهم يرون أنفسهم يعيشون فحسب في تكتل محكم من الأصدقاء الذين يعرف بعضهم بعضا. إن عواقب هذه العبارة مهمة، وهذا ما سنراه في فصول لاحقة من هذا الكتاب عند تعرفنا على انتشار الأمراض وفيروسات الكمبيوتر، من ناحية، والبحث عن المعلومات في المؤسسات الكبيرة وشبكات الند للند، من ناحية أخرى.
لكن النموذج بيتا يعكس أيضا شيئا أكثر عمقا؛ لأنه يساعدنا في حل مشكلة المتغير ألفا الغامض الموجود في نموذجنا الأول. ويجب التذكر هنا أن مشكلة ألفا تمثلت في استحالة تفسيره من منظور الشبكة نفسها. عندما تكون قيمة ألفا صغيرة (عالم أهالي الكهوف)، نقيم شبكات يميل فيها الأفراد، الذين لا يملكون سوى صديق واحد مشترك، بقوة إلى إقامة علاقات صداقة فيما بينهم، وعندما تكون قيمة ألفا كبيرة للغاية (عالم سولاريا)، يتقابل الأفراد عشوائيا، سواء أكان لديهم صديق مشترك أم لا. لكن كما رأينا، من المستحيل بوجه عام التنبؤ على نحو دقيق بنوع الشبكة التي ستنتج من قيمة ألفا المحددة، خاصة القيم الموجودة في المنطقة المتوسطة التي يصدر عنها السلوك الأكثر إثارة للاهتمام.
يمكننا الآن فهم الأمر، تحدد ألفا احتمالية أن تظهر الشبكة المكتملة طرقا مختصرة عشوائية واسعة النطاق، وهذه الطرق هي التي تؤدي كل العمل. تتمثل مزية هذه النتيجة في أنه صار بإمكاننا الآن إنشاء الطرق المختصرة بأي وسيلة نريدها تقريبا - عن طريق محاكاة العملية الاجتماعية لإنشاء الشبكات، كما هو الحال في النموذج ألفا، أو إنشائها ببساطة من خلال الاحتمالية، كما هو الحال في النموذج بيتا - وسنحصل على النتيجة نفسها تقريبا. ينطبق الأمر نفسه إلى حد بعيد على التكتل. يمكننا ببساطة إضافته، كما فعلنا مع الشبيكة في النموذج بيتا، أو السماح له بالتزايد طبيعيا من خلال تكرار قاعدة لاكتساب أصدقاء جدد من خلال الأصدقاء الحاليين. وفي كلتا الحالتين، ما دامت لدينا وسيلة لإنشاء تكتل ووسيلة للسماح بظهور الطرق المختصرة، فسنحصل دائما على شبكة من شبكات العالم الصغير.
ومن ثم، مع أن النموذج بيتا كان سخيفا نوعا ما نظرا لأنه ما من نظام حقيقي يمكن أن يبدو مثله بالفعل، فإن الرسالة التي أوصلها لم تكن سخيفة على الإطلاق. ما أخبرنا به هو أن شبكات العالم الصغير تنتج عن توافق بسيط للغاية بين قوتين أساسيتين - النظام وانعدام النظام - وليس من الآليات المحددة التي يتم التوصل من خلالها إلى ذلك التوافق. أدركنا في هذه المرحلة أن شبكات العالم الصغير يجب أن تظهر ليس فقط في العالم الاجتماعي، الذي انبثقت منه الفكرة في الأساس، لكن أيضا في كل أنواع النظم المتصلة بشبكات. (5) العالم الواقعي
مع ما يبدو عليه الأمر من وضوح الآن، فإدراك حقيقة أن شبكات العالم الصغير يمكن أن تظهر في جميع صنوف النظم المتصلة بشبكات كان بمنزلة اكتشاف مهم للغاية في نظرنا؛ لأننا حتى ذلك الوقت كنا نفكر في المسألة من منظور الشبكات الاجتماعية فحسب. وعلى المستوى العملي، أفسح ذلك الطريق أيضا أمام إمكانية العثور على بعض البيانات التي تمكننا من التحقق من صحة تنبؤنا. ويجدر التذكر هنا أن إحدى المشكلات الكبيرة في فهم ظاهرة العالم الصغير، والسبب وراء انتهائنا إلى تبني منهج الضبط بين النظام والعشوائية، كان أن التحقق التجريبي من الظاهرة نفسها بدا غير ممكن على الإطلاق. فمن يمكنه الحصول على هذا النوع من بيانات الشبكات؟ لكن اتسع الآن نطاق بيانات الشبكة المقبولة لنا على نحو ضخم. هذا شأن أي شبكة كبيرة، ما دامت قد وثقت جيدا بما فيه الكفاية. من الناحية العملية، استلزم هذا الشرط الأخير ضرورة توفر البيانات إلكترونيا، وهو المطلب الذي يبدو تافها اليوم، لكن في عصور ظلام الإنترنت عام 1997، كان مجرد التفكير في نماذج جيدة مشكلة في حد ذاته.
حاولنا في البداية الحصول على قاعدة بيانات «استشهادات العلوم»؛ وهي شبكة ضخمة من الأبحاث العلمية المأخوذة من آلاف الدوريات الأكاديمية التي يتصل بعضها ببعض من خلال ما تحتويه من استشهادات بالمراجع الببليوجرافية، فإذا استشهدت ببحث لك، فأنا متصل بك، وإذا استشهدت ببحثي في بحثك، فأنت متصل بي. لم يكن ذلك ما نبحث عنه بالضبط (لأن الأبحاث تستشهد عادة بأبحاث سبق نشرها، فلا تشير الروابط بينها إلا لاتجاه واحد فقط)، لكنها كانت أفضل فكرة لدينا في ذلك الوقت. ومع الأسف، أراد المعهد العلمي الدولي، المالك لقاعدة البيانات، أن ندفع مقابل الحصول عليها، ولم يكن لدينا ما يكفي من المال.
صفحة غير معروفة