الدليل والبرهان لأبي يعقوب الوارجلاني

Abu Yacqub Warjalani ت. 570 هجري
19

الدليل والبرهان لأبي يعقوب الوارجلاني

تصانيف

فعمد يا إخوتي إلى كلام الله ونوره وضيائه الذي خرج منه وإليه يعود فجعله مخلوقا ، فعظمت مصيبتي يا إخوتي في القرآن العظيم والذكر الحكيم الذي خرج منه وإليه يعود ، فأي مصيبة أعظم من هذه ، فجعله مخلوقا وأي بلية أعظم منها ، فكأن الله قبل خلقه كان غير عالم وغير متكلم يصفه بصفات العجز والحدث والحاجة والخلق ، فجئتكم يا إخوتي اشكوا إلى الله تعالى وإليكم هذه المصيبة العظيمة والبلية الفادحة ، ولقد أمرتكم يا إخوتي قبل هذا أن اعتزل مجالسهم حتى لا نسمع كلامهم وننتبذ ناحية في المسجد ) فاستجاب القوم بالبكاء من كل ناحية ، فقال بعضهم لبعض : ( قد وجب علينا جهاد هؤلاء القوم ، ولنرجع إلى ما كنا عنه ننهى أول مرة وقد حوجونا إلى ذلك ) .وقال بعضهم : ( إنما اعتزلناه مخافة أن نقع فيما وقعوا فيه وكي نحيي سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأما إذا أبيتم فلا حاجة لنا إليكم ) فتبرأ الفريقان بعضهم من بعض ، وعمد الذين أرادوا منابذة القوم فقالوا : ( لابد لنا من مخالطتهم ) وغرضهم أن يقتبسوا من مناظرتهم وحيلهم في جدالهم فيرجعوا بما عليهم ويحاجوهم ، فذهب بعضهم إلى المتكلمين فكان آخر العهد بهم ، وبعضهم إلى القدرية فذهبوا بهم ، وبعضهم إلى حلقة حماد بن أبي حنيفة فتفرقوا على الحلق ومكثوا فيها برهة ، وذهب كل فرقة بمن صار إليها وحصل عندها ، فاختلفوا آخر الأبد ، ولم يجتمع منهم أحد مع صاحبه إلا ما كان من أبي الحسن الأشعري وهو الذي عقب وصار إمام الأشعرية ، ثم أبو بكر بن الطيب بعده - وهو الباقلاني - فوقعوا في تشبيه الباري سبحانه خلافا للأفراق وانتكسوا إلى يوم التلاق .

صفحة ٢٦