فإن قال قائل : ما يمنعكم من تشريكهم ، وقد ردوا القرآن والسنة والعربية والرأي ؟
قلنا : امتنعنا من تشريكهم حين لم يواجهوا النص ، وكفرناهم إذ انتهكوا ، وعذرناهم إذ توقفوا ، وصار كفرهم كفر نعمة .
فإن قالت المعتزلة : إن الذي لم يحج ليس بكافر لكنه فاسق ، قضوا نصف الحاجة ، واحتملناهم إذا قالوا رأيا .
وأما المرجئة إذ قالوا : إنه ليس بكافر ، واسمه مع ذلك مؤمن .
قلنا : قطعا أو مجازا .
فإن أرادوا بذلك البدن كان حقيقة ولا حقيقة عند من لم تصدق أفعاله أقواله ، ورد الله - عز وجل - مذهبه بقوله : ( أولئك هم المؤمنون حقا ) إذ قيده بحرف من حروف الحصر وشروط معلومة . قال الله - عز وجل - : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا ) .
ومعنى الذي نقول لأولئك هم المؤمنون كذبا .
وإن أرادوا بقولهم ( مؤمن ) مجازا وإنما غلب عليهم التفرقة بين أسماء الأبدان وبين أسماء الأفعال ، فقضوا بالثبوت لأسماء الأفعال فحسبهم جهلهم واغترارهم .
وقد تقدم قولنا إن الأسماء غير مخصوصة بزمان مخصوص ، إن أردت به الفعل كان مجازا ، وإن أردت به البدن كان حقيقة ولا حقيقة عند من لم تصدق أفعاله أقواله .
ولما نظروا إلى جمهور خطاب الله بالمؤمن بمعنى المقر والمدعي الإيمان . قال الله - عز وجل - : ( ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ) . حسبوا أنه المؤمن المجاز ، أو نسوا ما ذكروا به من قول الله - عز وجل - : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ) وهذه التفرقة بيننا وبين المرجئة رضينا باللباب وقنعوا بالقشر .
صفحة ٣٦