منه ، فكلاهما ذليل وإن عز ، وغير محرز من العز إلا لما أحرز ، وجميعهما قليل عزه ، إذ لم يملك العز كله فيحرزه ، فليس العزيز الذي لا يذل ، إلا من له العز الذي لا يقل ، بأن تشاركه فيه الشركاء ، أو أن تتقسمه بملكها له الملكاء ، وذلك فهو الله العزيز الأعلى ، يهب لمن يشاء عزا ويذل من يشاء إذلالا ، ( بيده الملك وهو على كل شيء قدير ) [الملك : 1] ، كما قال سبحانه : ( فنعم المولى ونعم النصير ) [الحج : 78]. مع ما في القرآن من هذا ومثله ، مما يكثر عن أن يحيط كتابنا هذا بتفسيره أو جمله.
[تنزه الله عن شبه الخلق]
فأما دلائله لنا سبحانه على أنه خلاف للأشياء ، ولكل ما يعقل في جميعها من العجزة والأقوياء ، فقوله سبحانه : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) [الشورى : 11]. وما ليس كمثله شيء ، فهو خلاف لكل شيء ، وقوله سبحانه في سورة التوحيد والإفراد ، بعد تنزهه فيها سبحانه عن الوالد والأولاد : ( ولم يكن له كفوا أحد ) (4) [الإخلاص : 4]. ومن لم يكن له كفوا أحد ، فهو خلاف لكل أحد ، وما كان خلافا للآحاد كلها ، كان خلافا اضطرارا لأصلها ، لان الأصل في نفسه وتحداده ، فهو غير شك جميع آحاده ، فالله سبحانه هو خلاف الآحاد المعدودة ، وجميع ما يعقل من الأصول الموجودة (1)، وهو الله الصمد الحق الذي ليس من ورائه مصمد (2) يصمد إليه صامد ، والله الملك القدوس الذي ليس من ورائه ملك ولا قدوس يجده واجد ، والله الأول قبل الأوائل المتقدمة (3)، والعظيم قبل جميع الأشياء المعظمة ، فليس قبله أول موجود ، ولا بعده معظم معمود ، ومن وراء كل عظيم عظيم ، حتى ينتهي إلى الله الذي ليس من ورائه عظيم ، وفوق كل ذي علم عليم ، حتى ينتهي إلى الله الذي
صفحة ٢٣٠