يمينا ولا يسارا ، ولا يختلف مسلكهما تحتها ليلا ولا نهارا ، والشمس والقمر فجسمان ، مدركة جسميتهما بالعيان ، يذرعان ذرع الأجسام ، وينقسمان بأبين الانقسام ، لهما أوساط وأطراف ، وفيهما كل وأنصاف ، والأرض فذات جسم مصمت معلوم ، لا يمكن أن يسلكه جسم مثله من النجوم ، ولا يمكن أن يسلك جسم (1) إلا في هواء أو خلاء ، أو فتق إن سلك في أرض أو ماء ، أو في جو من الأجواء ، وإن كان مسلكه من الأرض أو الماء ، إنما يكون في فتق ففي الخلاء يسلك أو الهواء ، وإن هو احتجب عن العيون فلم ير. وإن كان مسلكه في فتق (2) من أرض أو ماء ، لا فيما قلنا به من هواء أو خلاء ، انتقض ما أجمعوا عيانا عليه ، واجتمعت أقوالهم جميعا فيه ، من أن مسلك النجوم ، من وراء قاصية التخوم.
وما جعل الله في الجبال الرواسي ، وغيرها من القنان (3) الشمخ الطوال العوالي ، من فجاج السبل ، ومن الطرق الذلل ، فما لا يمتري في وجود صنعه وتقديره ، بما يرى فيه من إحكام الصنع وتدبيره منصف أنصف في نظر لنفسه ، قاض على الأمور كلها (4) بحقيقة درك حسه ، لأنه قد أدرك بحسه دركا بتا (5) ، وأيقن بقلبه إيقانا (6) مثبتا ، أن أصغر ما يرى من هذه الفجاج سبيلا ، لم يتهيأ لسالكه سلوكه ولم يمكنه حتى ذلل تذليلا ، وأن هذه الفجاج التي جعلت سبيلا ، وهيئت مع صعوبتها طرقا ذللا ، لم تتأت وتتواطأ ، سبلا وصرطا (7)، في حزون (8) الجبال الشوامخ ، وبطون البيدان (9)
صفحة ٢١٦