دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين

ابن علان ت. 1057 هجري
48

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين

الناشر

دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الرابعة

سنة النشر

١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

بأكثر من الثلث كأنه قال: لا تفعل لأنك إن متّ تركت ورثتك أغنياء وهو خير لك، وإن عشت تصدقت وأنفقت فالأجر حاصل لك في الحالين، وعبر بتنفق مع أن اشتراط الإخلاص لا يختص به بل يجري في كل تصرّف ما لي أو فعلى تفاؤلًا، فإن الإنفاق إنما يقال فيما صرف في الخير، وغيره يقال فيه حسنى وصنيع. وقال ابن أبي جمرة: نبه بالنفقة على ما سواها من عمل البرّ (تبتغي بها وجه ا) أي: ذاته وحده كما دل عليه السياق (إلا أجرت) بالبناء للمجهول: أي آجرك الله (عليها) وفي نسخة «بها» لأنه من العمل الصالح (حتى ما تجعل في في امرأتك) حتى عاطفة، وما اسم موصول في محل نصب عطفًا على نفقة، ويجوز الرفع على أنه مبتدأ: أي إلا أجرت بالنفقة التي تبتغي بها وجه الله حتى بالشيء الذي تجعله في فم امرأتك، ففي الحديث أن الأعمال بالنيات. وإنما يثاب على عمله بنيته، وأن الإنفاق على العيال يثاب عليه إذا قصد وجه الله تعالى به. وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله صار طاعة ويثاب عليه؛ إذ وضع اللقمة في فم امرأته إنما يكون في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذّذ بالمباح، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة، ومع ذلك فقد أخبر الشارع بأن ذلك يؤجر عليه بالقصد الجميل. فغير هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا قصد به وجهالله. ويؤخذ منه أن الإنسان إذا فعل مباحًا من أكل أو شرب وقصد به وجه الله كالاستعانة بذلك على الطاعة وبالنوم على قيام الليل يثاب عليه. ووجه عطف جملة وإنك لن تنفق الخ» على «إنك» الأولى بيان سبب استكثار الثلث ببيان ما يتعلق به في الدنيا والآخرة: أي: لا تستقل الثلث، فإنك إذا أخرجته أثبت الثواب العظيم. وأبقيت لورثتك ما يصونون به وجوههم عن ذلّ السؤال، ومع ذلك تكون قد تداركت به ما فرطت. كما في حديث «إن الله أعطى عبده ثلث ماله في آخر عمره ليتدارك به ما فرط منه» (قال فقلت يا رسول الله أخلف) بضم الهمزة وفتح اللام المشددة، وفي نسخة من البخاري «أخلف» بهمزة الاستفهام: أي أخلف في مكة (بعد أصحابي) أي: بعد انصرافهم معك. قال القاضي عياض: قاله إما إشفاقًا من موته بمكة لكونه هاجر منها وتركها فخشي أن يقدح ذلك في هجرته أو في ثوابه، أو خشي بقاءه بمكة بعد انصراف النبي وأصحابه إلى المدينة وتخلفه عنهم بسبب المرض، وكانوا يكرهون الرجوع فيما تركوه. ولذا جاء في رواية أخرى «أخلف عن هجرته» . قال القاضي: قيل كان حكم الهجرة باقيًا بعد الفتح لهذا الحديث، وقيل: إنما كان ذلك لمن هاجر قبل الفتح اهـ (قال إنك لن تخلف) أي:

1 / 70