العزلة والانفراد

ابن أبي الدنيا ت. 281 هجري
29

العزلة والانفراد

محقق

مسعد عبد الحميد محمد السعدني

الناشر

مكتبة الفرقان

مكان النشر

القاهرة

٤٥ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُصْلِحٍ الْعَتَكِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَفَّافُ، قَالَ: قَالَ لِي سُفْيَانُ: يَا عَطَاءُ! احْذَرِ النَّاسَ وَاحْذَرْنِي، فَلَوْ خَالَفْتُ رَجُلا فِي رُمَّانَةٍ فَقَالَ: حَامِضَةٌ، وَقُلْتُ: حُلْوَةٌ، أَوْ قَالَ: حُلْوَةٌ، وَقُلْتُ: حَامِضَةٌ، لَخَشِيتُ أَنْ يَشِيطَ بِدَمِي " (١) .

(١) أخرجه الخطابي في " العزلة " (ص ٢٠١)، وأبو نعيم في " الحلية " (٧/٨) .

الْعُزْلَةُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ ٤٦ - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: " أَلَمْ تَرَ إِلَى ذِي الْوَحْدَةِ مَا أَحْلَى وَرَعَهُ وَأَرْفَعَ عَيْشَهُ، وَأَقْنَعَ نَفْسَهُ بِالْقَصْدِ، وَآمَنَهُ لِلنَّاسِ، وَأَبْعَدَهُ وَإِنْ بَدَا بِالْحِرْصِ مُسْتَعِدًّا لِصُرُوفِ الأَيَّامِ مُسْتَكِينًا؟ إِنْ مُنِعَ قَلَّتْ هُمُومُهُ، وَإِنْ طُرِقَ قَلَّ أَسَفُهُ، وَإِنْ أَخَذَ لَمْ تَكْثُرِ الْحُقُوقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَكْدَى لَمْ يَكْبُرِ الصَّبْرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَنَعَ لَمْ يَحْصُرْهُ الْمَوْتُ، وَإِنْ طَلَبَ لَمْ تُلْذِذْهُ الْكَثْرَةُ، لا يَشْتَكِي أَلَمَ غَيْرِهِ، وَلا يُحَاذِرُ إِلا عَلَى نَفْسِهِ، وَذُو الْكَثْرَةِ غَرَضُ الأَيَّامِ الْمَقْصُودُ، وَثَأْرُهَا الْمَطْلُوبُ، وَصَرِيعُ مَصَائِبِهَا وَآفَاتِهَا، مَا أَدْوَمَ نَصَبَهُ، وَأَقَلَّ رَاحَتَهُ، وَأَخَسَّ مِنْ مَالِهِ نَصِيبَهُ وَحَظَّهُ، وَأَشَدَّ مِنَ الأَيَّامِ حَذَرَهُ، وَأَعْيَا الزَّمَانَ بِكَلْمِهِ وَنَقْصِهِ، ثُمَّ هُوَ بَيْنَ السُّلْطَانِ يَرْعَاهُ، وَعَدُوٍّ يَبْغِي عَلَيْهِ، وَحُقُوقٍ تَسْتَرِيبُهُ، وَأَكْفَاءٍ يُنَافِسُونَهُ، وَوَلَدٍ يَوَدُّونَ مَوْتَهُ، قَدْ بُعِثَ عَلَيْهِ مِنْ سُلْطَانِهِ بِالْعَنَتِ، وَمِنْ أَكْفَائِهِ الْحَسَدُ، وَمِنْ أَعْدَائِهِ الْبَغْيُ، وَمِنَ الْحُقُوقِ الذَّمُّ، لا يُحْدِثُ الْبُلْغَةَ، قَنَعَ فَدَامَ لَهُ السُّرُورُ، وَرَفَضَ الدُّنْيَا فَسَلِمَ مِنَ الْحَسَدِ، وَرَضِيَ بِالْكَفَافِ فَتَنَكَّبَتْهُ الْحُقُوقُ " (١) .

(١) قوله: ذي الوحدة، أي: صاحب الوحدة. والمستكين: الخاضع الذليل. وطرق: استرخى. وأسفه: الحزن. وأكدى: أي: قل خيره. والنصب: التعب. ويبغى: يجور عليه ويظلمه. وأكفاء: أنداد. والعنت: المشقة. والبلغة: ما يتبلّغ به من العيش. التنكيب: العدول عن الشيء.

٤٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: وَأَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: تَوَحَّشْتُ لِكَيْ أُسَرَّ بِالْوَحْدَةِ أَحْيَانًا ... وَفِي الْوَحْشَةِ مَا يُؤْنِسُ مِنْ صُحْبَةِ مَنْ خَانَا
٤٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: وَأَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ: يَا حَبَّذَا الْوَحْشَةُ مِنْ أَنِيسِ ... إِذَا خَشِيتَ مِنْ أَذَى الْجَلِيسِ

1 / 31