عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير
الناشر
دار القلم
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٤/١٩٩٣.
مكان النشر
بيروت
ببعض صفته في القرآن، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ وَلا سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا.
قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ لَقِيتُ كَعْبَ الأحبار فسألته فما اختلفا في حرف.
وروينا عن ابن إسحق قال: وحدثني عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ: قَالَ لِي: هَلْ تَدْرِي عَمَّ كَانَ إِسْلامُ ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ سَعْيَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ عُبَيْدٍ نَفَرٍ مِنْ هَدْلٍ أُخْوَةِ قُرَيْظَةَ، كَانُوا مَعَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، ثُمَّ كَانُوا سَادَاتِهِمْ فِي الإِسْلامِ، قَالَ: قُلْتُ: لا، قَالَ، فَإِنَّ رَجُلا مِنْ يَهُودَ مِنْ أَهْلِ الشام يقال له: ابن الهيبنان قدم علينا قبل الإسلام بستين، فَحَلَّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا لا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلا قَطُّ لا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَفْضَلَ مِنْهُ فَأَقَامَ عِنْدَنَا، فَكُنَّا إِذَا قَحَطَ الْمَطَرُ قُلْنَا له: أخرج يا ابن الْهَيِّبَانِ فَاسْتَسْقِ لَنَا، فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ حَتَّى تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً، فَنَقُولُ لَهُ: كَمْ؟
فَيَقُولُ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ، فَنُخْرِجُهَا ثُمَّ يَخْرُجُ بِنَا إِلَى ظَاهِرِ حَرَّتِنَا [١]، فَيَسْتَسْقِي لَنَا، فَوَاللَّهِ مَا يَبْرَحُ مَجْلِسَهُ حَتَّى يَمُرَّ السَّحَابُ وَنُسْقَى، قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلا مَرَّتَيْنِ وَلا ثَلاثٍ، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ عِنْدَنَا، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ مَيِّتٌ قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ مَا تَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَمْرِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إِلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ، فَقُلْنَا: أَنْتَ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّمَا قَدِمْتُ هَذِهِ الْبَلْدَةَ أَتَوَكَّفُ خُرُوجَ نَبِيٍّ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ، وَهَذِهِ الْبَلْدَةُ مُهَاجِرُهُ، فَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ يُبْعَثَ فَأَتَّبِعُهُ، قَدْ أَظَلَّكُمْ زَمَانُهُ فَلا تُسْبَقَنَّ إِلَيْهِ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ، وَمَنْ خَالَفَهُ فَلا يَمْنَعَنَّكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ وَحَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ هَؤُلاءِ الْفِتْيَةُ وَكَانُوا شُبَّانًا أَحْدَاثًا: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْكُمْ فِيهِ ابْنُ الْهَيِّبَانِ، قَالُوا: لَيْسَ بِهِ، قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ إِنَّهُ لَهُوَ بِصِفَتِهِ، فَنَزَلُوا وَأَسْلَمُوا، فَأَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنِ النُّعْمَانِ السَّبَائِيِّ قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ بِالْيَمَنِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِذِكْرِ النَّبِيِّ ﷺ قَدِمَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَبِي كان يختم على سفر
_________
[(١)] الحرة: أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت، والجمع (حرار) .
1 / 73