199

عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير

الناشر

دار القلم

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٤/١٩٩٣.

مكان النشر

بيروت

مناطق
مصر
الامبراطوريات
المماليك
قُرْآنًا، وَكَانَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ قَدْ أَسْلَمَ، وَوَاعَدَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يُهَاجِرَ مَعَهُ، وَقَالَ: تَجِدُنِي أَوْ أَجِدُكَ عِنْدَ إِضَاءَةِ بَنِي غِفَارٍ، فَفَطَنَ لِهِشَامٍ قَوْمُهُ فَحَبَسُوهُ عن الهجرة. ثم إن أبا جهل والحرث بْنَ هِشَامٍ- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَذْكُرُ مَعَهُمَا أَخَاهُمَا الْعَاصِي بْنَ هِشَامٍ- خَرَجَا حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَكَّةَ، فَكَلَّمَا عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَكَانَ أَخَاهُمَا لأُمِّهِمَا وَابْنَ عَمِّهِمَا،
وَأَخْبَرَاهُ أَنَّ أُمَّهُ قَدْ نَذَرَتْ أَنْ لا تَغْسِلَ رَأْسَهَا وَلا تَسْتَظِلَّ حَتَّى تَرَاهُ، فَرَقَّتْ نَفْسُهُ وَصَدَّقَهُمَا وَخَرَجَ رَاجِعًا مَعَهُمَا، فَكَتَّفَاهُ فِي الطَّرِيقِ وَبَلَغَا بِهِ مَكَّةَ، فَحَبَسَاهُ بِهَا إِلَى أَنْ خَلَّصَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَهُ فِي قُنُوتِ الصَّلاةِ: «اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ» [١] .
قَالَ ابْنُ إسحق: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَنَّهُمَا حِينَ دَخَلا مَكَّةَ، دَخَلا بِهِ نَهَارًا مُوثَقًا ثُمَّ قَالا: يَا أَهْلَ مَكَّةَ هَكَذَا فَافْعَلُوا بِسُفَهَائِكُمْ كَمَا فَعَلْنَا بِسَفِيهِنَا هَذَا.
قَالَ ابن هشام: حدثني مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ: «مَنْ لِي بِعَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَهِشَامِ بْنِ العاص» فقال الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: أَنَا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِهِمَا،
فَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَقَدِمَهَا مُسْتَخْفِيًا فَلَقِيَ امْرَأَةً تَحْمِلُ طَعَامًا، فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ اللَّهِ؟ قَالَتْ: أُرِيدُ هَذَيْنِ الْمَحْبُوسَيْنِ (تَعْنِيهِمَا) فَتَبِعَهَا حَتَّى عَرَفَ مَوْضِعَهُمَا وَكَانَا مَحْبُوسَيْنِ فِي بَيْتٍ لا سَقْفَ لَهُ، فَلَمَّا أَمْسَى تَسَوَّرَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ أَخَذَ مَرْوَةً [٢] فَوَضَعَهَا تَحْتَ قَيْدَيْهِمَا ثُمَّ ضَرَبَهُمَا بِسَيْفِهِ فَقَطَعَهُمَا، فَكَانَ يُقَالُ: السَّيْفُ ذُو الْمَرْوَةِ لِذَلِكَ، ثُمَّ حَمَلَهُمَا عَلَى بَعِيرِهِ وَسَاقَ بِهِمَا، فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ فَقَالَ:
هَلْ أَنْتَ إِلَّا أُصْبُعٌ دَمِيتَ ... وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتَ
ثُمَّ قَدِمَ بِهِمَا علي رسول الله ﷺ المدينة.
قال ابن إسحق: وَنَزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَمَنْ لَحِقَ بِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَقَوْمِهِ، وَأَخُوهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَمْرٌو وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا سراقة بن الْمُعْتَمِرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ أداةَ بْنِ رِيَاحِ بن عبد الله بن قرط بن رزاح بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَخُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، وَكَانَ صِهْرَهُ عَلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ خَلَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ

[(١)] انظر كنز العمال (٨/ ١٢٢١٩٩٧/ ٣٧٤٥٩) .
[(٢)] المرة: الحجر.

1 / 202