عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير

ابن سيد الناس ت. 734 هجري
163

عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير

الناشر

دار القلم

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٤/١٩٩٣.

مكان النشر

بيروت

لأَشْبَهُ النَّاسِ بِي خَلْقًا وَخُلُقًا» فَضَجُّوا وَأَعْظَمُوا ذلك، الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ: كُلُّ أَمْرِكَ قَبْلَ الْيَوْمِ كَانَ أُمَمًا غَيْرَ قَوْلِكَ الْيَوْمَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ كَاذِبٌ، نَحْنُ نَضْرِبُ أَكْبَادَ الإِبِلِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مُصْعِدًا شَهْرًا وَمُنْحَدِرًا شَهْرًا، تَزْعُمُ أَنَّكَ أَتَيْتَهُ فِي لَيْلَةٍ! وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لا أُصَدِّقُكَ وَمَا كَانَ هَذَا الَّذِي تَقُولُ قَطُّ، وَكَانَ لِلْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ حَوْضٌ عَلَى زَمْزَمَ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَهَدَمَهُ، فَأَقْسَمَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى لا يَسْقِي مِنْهُ قَطْرَةً أَبَدًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ﵁: يَا مُطْعِمُ بِئْسَ مَا قُلْتَ لابْنِ أَخِيكَ جَبَهْتَهُ [١] وَكَذَّبْتَهُ، أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ صِفْ لَنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ؟ قَالَ: «دَخَلْتُهُ لَيْلا وَخَرَجْتُ مِنْهُ لَيْلا» فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ ﵇ فَصَوَّرَهُ فِي جَنَاحِهِ فَجَعَلَ يَقُولُ بَابٌ من كذا في موضع كذا، وباب من كذا فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَأَبُو بَكْرٍ ﵁ يَقُولُ: صَدَقْتَ، صَدَقْتَ، قَالَتْ نَبْعَةُ: فَسَمِعْتُ رسول الله ﷺ يقول يَوْمَئِذٍ: «يَا أَبَا بَكْرٍ أَنَّ اللَّهَ ﷿ قَدْ سَمَّاكَ الصِّدِّيقَ» [٢] قَالُوا: يَا مُطْعِمُ دَعْنَا نَسْأَلُهُ عَمَّا هُوَ أَغْنَى لَنَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، يَا مُحَمَّدُ: أَخْبِرْنَا عَنْ عِيرِنَا؟ فَقَالَ: «أَتَيْتُ عَلَى عِيرِ بَنِي فُلانٍ بِالرَّوْحَاءِ قَدْ أَضَلُّوا نَاقَةً لَهُمْ وَانْطَلَقُوا فِي طَلَبِهَا فَانْتَهَيْتُ إِلَى رِحَالِهِمْ لَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَإِذَا قَدَحُ مَاءٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ فَسَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ»، فَقَالُوا: هَذِهِ وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى آيَةٌ، ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى عِيرِ بَنِي فُلانٍ فَنَفَرَتْ مِنِّي الإِبِلُ وَبَرَكَ مِنْهَا جَمَلٌ أَحْمَرُ عَلَيْهِ جُوَالِقُ مُخَطَّطٌ بِبَيَاضٍ لا أَدْرِي أَكَسَرَ الْبَعِيرَ أَمْ لا فَسَأَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: هَذِهِ وَالإِلَهِ آيَةٌ، ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى عِيرِ بَنِي فُلانٍ بِالأَبْوَاءِ يَقْدَمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ [٣] هَا هِيَ تَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنَ الثَّنِيَّةِ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: سَاحِرٌ، فَانْطَلَقُوا فَنَظَرُوا فَوَجَدُوا كَمَا قَالَ، فَرَمَوْهُ بِالسِّحْرِ وَقَالُوا: صَدَقَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فِيمَا قَالَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ ﵎: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ [٤] قُلْتُ: يَا أُمَّ هَانِئٍ مَا الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَتْ: الَّذِينَ خُوِّفُوا فَلَمْ يَزِدْهُمُ التَّخْوِيفُ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ جابر بن عبد الله أنه سمع

[(١)] أي بادرته بالمكروه. [(٢)] انظر كنز العمال (١١/ ٣٢٦١٥ و١٢/ ٣٥٦٦٤) . [(٣)] أي أسمر. [(٤)] سورة الإسراء: الآية ٦٠.

1 / 166