حراثون يحرثون الأَرْض للزَّرْع وَكَانَ بيني وَبَين الْموضع نَحْو فرسخين وَكنت أبكر إِلَيْهِم لأنظر مَا يعْملُونَ وأرجع إِذا فرغوا
وَكنت أحمل لَهُم معي على الدَّابَّة الَّتِي تَحت الْغُلَام زادا وَشَرَابًا لتطيب أنفسهم ويتجلدوا على الْعَمَل
فَمَا زلت كَذَلِك إِلَى أَن حملت الْغَدَاء فِي بعض الْأَيَّام وَكنت قد أخرجت إِلَيْهِم بستوقة خضراء وفيهَا خمر مطينة الرَّأْس لم تفتح مَعَ زَاد
فَلَمَّا أكلُوا الزَّاد قدمُوا البستوقة وفتحوها فَلَمَّا أَدخل أحدهم يَده مَعَ كوز ليغرف مِنْهَا الشَّرَاب وجد فِيهَا أَفْعَى قد تهرأ فأمسكوا عَن الشَّرَاب وَقَالُوا إِن هَهُنَا فِي هَذِه الْقرْيَة رجلا مجذوما يتَمَنَّى الْمَوْت من شدَّة مَا بِهِ فنسقيه من هَذَا الشَّرَاب ليَمُوت وَيكون لنا فِي ذَلِك أجر إِذْ نريحه من وصبه
فَمَضَوْا إِلَيْهِ بزاد وسقوه من ذَلِك الشَّرَاب متيقنين أَنه لَا يعِيش يَوْمه ذَلِك فَلَمَّا كَانَ قريب اللَّيْل انتفخ جِسْمه نفخا عَظِيما وَبَقِي إِلَى الْغَدَاة ثمَّ سقط عَنهُ الْجلد الْخَارِج وَظهر الْجلد الدَّاخِل الْأَحْمَر وَلم يزل حَتَّى صلب جلده وبرأ وعاش دهرا طَويلا من غير أَن يشكو عِلّة حَتَّى مَاتَ الْمَوْت الطبيعي الَّذِي هُوَ فنَاء الْحَرَارَة الغريزية
فَهَذَا دَلِيل على أَن لُحُوم الأفاعي تَنْفَع من الأوصاب الشَّدِيدَة والأمراض العتيقة فِي الْأَبدَان
وَأما التجربة الثَّانِيَة فَإِن أخي أبولونيوس كَانَ ماسحا من قبل الْملك على الضّيَاع وَكَانَ كثيرا مَا يخرج إِلَيْهَا فِي الْأَوْقَات الوعرة الرَّديئَة فِي الصَّيف والشتاء فَخرج ذَات يَوْم إِلَى بعض الْقرى على سَبْعَة فراسخ فَنزل يستريح عِنْد أصل شَجَرَة وَكَانَ الزَّمَان شَدِيد الْحر وَأَنه نَام فاجتازته أَفْعَى فنهشته فِي يَده وَكَانَ قد ألْقى يَده على الأَرْض من شدَّة تَعبه فانتبه بفزع وَعلم أَن الآفة قد لحقته وَلم يكن بِهِ على الْقيام طَاقَة ليقْتل الأفعى وَأَخذه الكرب والغشي فَكتب وَصِيَّة وضمنها اسْمه وَنسبه وَمَوْضِع منزله وَصفته وعلق ذَلِك على الشَّجَرَة كي إِذا مَاتَ واجتاز بِهِ إِنْسَان وَرَأى الرقعة يَأْخُذهَا ويقرأها وَيعلم أَهله ثمَّ استسلم للْمَوْت
وَكَانَ بِالْقربِ مِنْهُ مَاء قد حصل مِنْهُ فضلَة يسيرَة فِي جَوْفه فِي أصل تِلْكَ الشَّجَرَة الَّتِي علق عَلَيْهَا الرقعة وَكَانَ قد غَلبه الْعَطش فَشرب من ذَلِك المَاء شربا كثيرا
فَلم يلبث المَاء فِي جَوْفه حَتَّى سكن ألمه وَمَا كَانَ يجده من ضَرْبَة الأفعى ثمَّ برأَ فَبَقيَ مُتَعَجِّبا وَلم يعلم مَا كَانَ فِي المَاء
فَقطع عودا من الشَّجَرَة وَأَقْبل يفتش بِهِ المَاء لِأَنَّهُ
1 / 22