عنوان الدراية في من عرف من العلماء في الماءة السابعة ببجاية
محقق
عادل نويهض
الناشر
منشورات دار الآفاق الجديدة
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٩٧٩ م
مكان النشر
بيروت
لكانت مجلدات وأحواله كلها كرامات.
وكان يجلس لعلوم الحديث ولعلوم الفقه ولعلوم التذكير، وكان الغالب عليه ﵁ الخوف، ما يمر بمجلسه إلا ذكر النار والأغلال والسعير، وتكاد تفيض قلوب الحاضرين في مجلسه، هذا هو حاله دائما. وهذه الطريق، هي أحسن الطريق في الدعاء إلى الله تعالى، إذ جبل الله الخلق على أنهم لا ينفعلون غالبا إلا بالخوف، ولأجل هذا كان أكثر الشريعة تخويفا.
وما زال ﵁ مستمرا على هذا الحال إلى يوم وفاته، يبسط أمل الناس ورجاءهم في رحمة الله وفي سعة مغفرته، ومناهم بما عنده من كثرة الثواب، وإنه لا يضيع أجر من أحسن عملا، إلى غير ذلك مما اشتمل عليه مجلسه، وهذا طريق حسن، لأنه لم يبق عند لقاء الله إلا الطمع في رحمته والرغبة فيما عنده، لأن الخوف فائدته إنما هي الحض على العمل، وحين الموت انقطع العمل، ولم يبق إلا قوة الأمل لتلقى الله طيبة نفسه، فيحب لقاء الله فيحب الله لقاءه، حسبما اقتضاه الحديث.
ولقد رأيت فصلا فيه ذكر وفاته، بخط الشيخ المقرئ، أبي العباس ابن الخراط وأنا أذكره بنصه، قال ﵀: أن وفاته كانت بعد صلاة العصر من يوم الجمعة، الرابع عشر من شهر رمضان المعظم من عام أحد عشر وستمائة، وتوفى في هذا اليوم فجأة من غير تقدم مرض، وكان قد رتب ميعادا بالقراءة لسماع تفسير القرآن العظيم، وميعادا بعد صلاة الظهر لسماع حديث رسول الله، ﷺ، على جري عادة السلف الصالح في شهر رمضان، فبينما أنا أقرأ بين يديه بالغداة وقد مرت آية فهم منها ما لم نفهم، وعلم من نحواها ما لم نعلم، إذ وثب قائما طيلسانه وطرح رداءه، وحسر رأسه وبسط يديه ومد ذراعيه، فأمسك عن القراءة، فتعوذ بصوت رفيع وبسمل، فافتتح بقول الله تعالى ﴿قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف﴾ ولم يزل يرددها ويكررها بتحذير وترنين، ثم أقبل على الناس بخضوع وخشوع، وأخذ يبين
1 / 128