العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين
تصانيف
فتأمل أيها الناظر إذا جوزت هذه الفرقة الكذب على الله عز وجل، وعلى رسوله عشر مرات كيف يوثق بحديث الأئمة عليهم السلام، ورواياتهم، [وحكوا](1) أن المخلصين قالوا: لو كذب الله ورسوله مائة مرة لصدقوهما، والكذب هو الخبر الذي [لو](2) كان له مخبر كان لاعلى ماهو به، وتصديق الكاذب كذب كما يعلم ذلك أهل الشرع، واللغة، والعقل فانظر إلى هذه الأقوال ما أوهاها لمن يتمكن(3) من الفرق بين الحق والباطل، ولو عرف العقلاء من رجل يعرف بالصدق الكذب في خبر واحد لما صدقوه، فكيف برب العزة علام الغيوب القادر على مايشاء، وكذب الصادق أدخل في باب القبيح لأنه جاء بغير مايعتاد منه.
وهل التنفير عن الأنبياء يكون بأكثر من هذا، ولو علم من صغار الناس وسفسافهم إخبار بشيء من الكذب مرة بعد أخرى لسقطت منازلهم عند العقلاء، ولما صدقوا بعد ذلك، ولو أخبروا بالصدق، قال الشاعر:
كذبت ومن يكذب فإن جزآءه ... إذا ما أتى بالصدق أن لايصدقا
فهذا في(4) المخلوقين فكيف يضاف إلى الأئمة، بل إلى الأنبياء المرسلين، بل إلى رب العالمين، والله تعالى يقول: {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد}[ق:29]، فأي تبديل أعظم من هذا لو صح تعالى الله عنه.
والقوم اشترطوا في الأئمة عليهم السلام العصمة، والعصمة مماذا(5) تكون إن لم تكن من الكذب الذي هو أقبح القبائح، وأكبر معاصي المعاصي، القوم قالوا في الإمام بأقوال قولهم في الغيبة ينافيها، منها: أنهم جعلوه لطفا، وقد كررنا هذا إلا أن الحال أوجبت تكراره فكيف تجوز غيبة اللطف، ومذكرا فكيف يصح فقد المذكر، ومنبها فمن أين يجوز فقدان المنبه، ومجددا للشريعة، أو حافظا لها، أو متمما لنقص العباد، والنقص ملازم لجميع أحوالهم فكيف يجوز مغيبه.
صفحة ٢٦٦