بأنه ﷻ خلقهم؛ ليكون منهم مؤمن وكافر في ثاني الحال، وإن كان قد فطر الخلق كلهم على معرفته وتوحيده، والعلم بأنه لا إله غيره، كما أخذ عليهم بذلك الميثاق، ومع هذا قدر أن منهم شقيا ومنهم سعيدًا ﴿هُوَ الَّذِي خَلقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ (التغابن: من الآية ٢) وفي الحديث: "كل الناس يغدوا فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها". (١) وقدر الله تعالى نافذ في بريته، وهو الذي قدر فهدى من أراد، وأشقى من طرد من العباد بمحض الفضل والعدل، ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ﴾ (الأنبياء: من الآية ٢٣) .
وقوله تعالى: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لهُ الدِّينَ﴾ (الزمر: من الآية ٢) يعني: استقم على التوحيد وعلى إفراده بالعبادة، ممحضا له جميع أنواعها من الشرك والرياء؛ فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك، وإنما خاطب النبي ﷺ بذلك والمراد قومه، أي وحدوا الله تعالى ولا تدعوا مع الله شريكا في عبادته لا ملكا ولا رسولا، فإنهم ليسوا أهلا لذلك ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ (الزمر: من الآية ٣) يعني: أنه هو الذي وجب اختصاصه بأن تخلص له الطاعة؛ فإنه المتفرد بصفات الألوهية والإطلاع على الأسرار والضمائر. وسبب ذلك: أن كفار قريش قالوا للنبي ﷺ: ألا تنظر إلى ملة أبيك عبد الله، وملة جدك عبد المطلب وسادة قومك يعبدون الأصنام، فنزل: قل يا نبي الله إني ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لهُ الدِّينَ﴾ (الزمر:١١) يعني: وحده، وأكفر بمن سواه ﴿وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّل الْمُسْلِمِينَ﴾ (الزمر:١٢) يعني: أمرت
_________
(١) رواه مسلم ورقمه (٢٢٣) من حديث أبي مالك الأشعري ﵁.
1 / 68