وقد بالغ١ إمامنا الشافعي -رحمه الله تعالى- في تحريم الاشتغال بعلم الكلام أشد مبالغة، وأطنب٢ في تحريمه وتغليظ العقوبة لمتعاطيه إلى أن قال: لأن يلقى اللهَ العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من الكلام٣.
وقد صنف الإمام الغزالي في آخر أمره كتابه الذي سماه: إلجام العوام عن علم الكلام٤، وذكر أن الناس كلهم عوام في هذا الفن من الفقهاء وغيرهم إلا النادر، فإذا اعتقد من ذكر ما ذكر كما ذكر فقد أدى واجب الوقت، فإن مات عقب ذلك مات مطيعا غير عاص، فإن خطر له شك في المعاني التي تدل عليها كلمتا الشهادة أو غيرها من أصول العقائد مما لا بد من اعتقاده ولم يزل شكه إلا بتعلم دليل من أدلة المتكلمين وجب عليه تعلم ما يتوصل به إلى إزالة الشك، ولو مات من لم يخطر له ذلك قبل أن يعتقد أن كلام الله قديم وأنه مرئي، وأنه ليس محلا للحوادث، ونحو ذلك مما يذكر في المعتقدات فقد مات على الإسلام إجماعا؛ إذ ليس له معارض لذلك ليضل.
فرع٥: اختُلف في آيات الصفات وأخبارها: هل يخاض فيها بالتأويل أم لا؟ فقال قائلون: تؤول على ما يليق بها، وهو مذهب الخلف، وهو أشهر المذهبين للمتكلمين، وقال آخرون: لا تؤول بل يمسك عن الكلام في معناها ويوكل علمها إلى الله تعالى، ويعتقد مع ذلك تنزيه الله، وانتفاء صفات الحادث
_________
١ كتاب العلم للنووي ص٨٠-٨٦.
٢ أطنب: أي بالغ وشدد.
٣ كتاب العلم للنووي ص٨٠، والسنن الكبرى للبيهقي ١٠/ ٢٠٦، واعتقاد أهل السنة ٣/ ٥٧٠، والاعتقاد للبيهقي ١/ ٢٣٩، وحلية الأولياء ٩/ ١١١ و١١٢.
٤ طبع بتصحيح وتعليق وتقديم: محمد المعتصم بالله البغدادي في دار الكتاب العربي في بيروت سنة ١٩٨٥م "وبلغت عدد صفحاته ١٤٤ صفحة".
٥ كتاب العلم للنووي ص٨١.
1 / 72