دعا بطيب فمسح بيديه وعارضيه، وكان مالك١ إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة، فقيل له في ذلك فقال: أحب أن أعظم حديث رسول ﷺ، وكان يكره أن يحدث في الطريق، أو وهو قائم٢، إلى غير ذلك من فعالهم المحمودة، وتوقيراتهم المشهورة المعدودة، نفعنا الله بهم وبعلومهم.
وأما الفقه وأصله في اللغة الفهم٣، وقيل: فهم الأشياء الدقيقة، وقيل: التوصل إلى علم غائب بعلم مشاهد، وهو في الاصطلاح المقصود: علم بحكم شرعي فرعي مكتسب من دليل تفصيلي، سواء كان من نصه أو استنباطا منه، وهذا أحسن ما قيل في حده، وموضوع الفقه أفعال المكلفين من حيث عروض الأحكام المذكورة لها، واستمداده من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وسائر الأدلة المعروفة، وفائدته امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهية المحصلان للفوائد الدنيوية والأخروية، ومحل هذا كله أصول الفقه.
ومما ورد في فضل الفقه وآدابه أخبار؛ منها: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" ٤، وخبر: "فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد"٥، وقوله ﷺ: "خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت، ولا فقه ٦ في
_________
١ هو أبو عبد الله، مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميدي: إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية، كان صلبا في دينه، بعيدا عن الأمراء والملوك، مولده ووفاته في المدينة سنة ١٧٩هـ. وفيات الأعيان ٤/ ١٣٥، والأعلام ٥/ ٢٥٧.
٢ صفوة الصفوة ٢/ ١٧٨، ومفتاح الجنة ١/ ٥١.
٣ انظر اللسان والتاج "فقه".
٤ رواه البخاري ٦/ ١٥٢، ومسلم ١٠٣٧، والترمذي ٢٦٤٧، وأحمد في المسند ٤/ ٩٣، والبغوي ١٣١، ١٣٢.
٥ رواه الترمذي ٢٦٨٣، وابن ماجه ٢٢٢، والبيهقي في شعب الإيمان ٢/ ٢٦٧، وانظر أيضا كنز العمال ٢٨٧٥٢، ومجمع الزوائد ١/ ١٢١.
٦ قال الحفني في حاشيته على الجامع الصغير: المعنى على الإثبات، فـ"لا" زائدة، وقال المناوي في التيسير: عطفه على حسن سمت بـ"لا" مع كونه مثبتا لكونه في سياق النفي، انظر فيض القدير ٣/ ٥٨٧.
1 / 68