العقد المنظوم في ذكر افاضل الروم
بسم الله الرحمن الرحيم
يا من قدر الاجال وجعل لها مددا ودبر الامور واحصى كل شيء عددا صل على محمد خير من نطق بالصواب وأوتي الحكمة وفصل الخطاب وختم به الرسالة والكتاب ومن تبعه باحسان من الال والاصحاب وبعد فنحن نقص عليك احسن القصص والأخبار من تواريخ العلماء الكبار والمشايخ الاخيار الذين درجوا في زماني وشالت نعامتهم في عصري وأواني من الذين تبركت بصحبتهم او شرفت بمجرد رؤيتهم اسكنهم الله فراديس الجنان وأنزلهم بلطفه خير مستقر ومكان ويا عجبا من هذه البحور كيف وسعها اصداف القبور ومن هذه الجبال كيف واراها الال حتى لم يبق منها الا التصور والخيال وقصدت في ذلك الى احسن المسالك من اوفق العبارات وارشق الاشارات ولعمري ان ذلك يعد عند الاكثرين من تضييع الاوقات لان المعارف عندهم خرافات فانا قدانتهيت الى زمان يرون الادب عيبا ويعدون التضلع من الفنون ذنبا والى الله الحنان المشتكى من هذا الزمان قد سل سيف بغيه وعدوانه على من تحلى وتقدم على أقرانه واوفق نبله لكل ذي نبل ظاهر وشرف باهر فالتبس الدر بالزجاج واشتبه العذب بالاجاج وضاع ارباب الالباب كالذباب في الضباب فصارت المعارف طيف خيال او ضيفا على شرف ارتحال وضعف اساس العلم وبنيانه وتضعضعت اركانه وخمدت ناره وكاد ان تمحى آثاره
وكان سرير العلم صرحا ممردا
يناغي القباب السبع وهي عظام
متينا رفيعا لا يطار غرابه
عزيزا منيعا لا يكاد يرام
يلوح سني برق الهدى من بروجه
كبرق بدا بين السحاب يشام
فجرت عليه الرامسات ذيولها
فخرت عروش منه ثم دعام
محا الذاريات البوم آيات حسنه
فلم يبق منها آية ووسام
صفحة ٣٣٣
ضعفت سواعد المساعدة وانحسمت مواد المواددة وذهب الحب في الله كامس الدابر وماله من قوة ولا ناصر وخلت الخلة عن الصدق والوفاء فلا ترى الا خليلا خليا عن الصفاء
(وقال) ابو فراس شارحا عن احوال الناس :
اقلب طرفي لا ارى غير صاحب
يميل مع النعماء حيث تميل
اكل خليل هكذا غير منصف
وكل زمان بالكرام بخيل
وان استندت الى ذي جاه وقدر من زيد وعمرو فأنت مرفوع الى الرأس ومحمول على الحدق وان كنت اعيا من باقل واحمق من هبنق وان عريت عن الاستناد فانت بمعزل عن الاعتداد وان كنت افصح من سحبان وائل وأبلغ من قس اياد :
والناس قد نبذوا وراء ظهورهم
غر الوجوه وزمرة السعداء
والأخرقون بقية من عزة
واولو النهى منبوذة بعراء
ويالله من تولية العبيد على الاحرار وتقدم الصغار على الكبار وكساد سوق الفضائل والمعالي واستئثار الوضيع على الماجد العالي وفشو اللؤم والوقاحة وقلة الكرم والسماحة بحيث لم يبق من يلتجأ الى بابه ويرتجى من جنابه وما اصدق الاديب العاصمي حيث قال وأبان عن هذه الاحوال :
تسل فليس في الدنيا كريم
يلوذ به صغير او كبير
فربع المجد ليس به انيس
وحزب الفضل ليس بهم نصير
ولا أحد من الأحرار إلا
كسير يد النوائب
وما دخلت على احد طالبا من رفده ونواله ومستدرا من شآبيب نبله وأفضاله الا وقدتذكرت في تلك اللحة ما قاله جحظة :
قوم احاول نيلهم فكأنني
حاولت نتف الشعر من آنافهم
قم فاسقنيها بالكبير وغنني
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
صفحة ٣٣٤
الا ما ذ او ندر فإنه اعز من بيض الانوق والكبريت الاحمر وهذا هو الحق الصريح بلا مرا وما كان حديثا يفترى (لمؤلفه الحقير) :
خبا مصباح كل فتى ذكي
وفي مشكاتهم لم ألق نورا
وجل الناس في الاعراض عنهم
قليل من يكون لهم ظهيرا
وهذاما التجارب علمتني
فان تلك غافلا فاسأل خبيرا
الا تكدر الانهار من تكدر العيون فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون استولى عليهم التبجح والغرور واعمى القلوب التي في الصدور فتبع بعضهم بعضا وحاولوا ابراما ونقضا ولا شك ان الضرير اذا قاد الضرير وقعا معا في البير :
اذا التقى في حدب واحد
سبعون أعمى بمقادير
وصيروا بعضهم قائدا
فكلهم يسقط في البير
يا نفس قداطلت الكلام فعودي الى المرام وأقصري عن هذه الشكاية وارجعي الى ما أنت بصدده من الحكاية فان ذلك دأب الدهر وعادته فلا جرم شكا من كل زمان سادته قال الامام الشافعي :
محن الزمان كثيرة لاتنقضي
وسروره ياتيك كالاعياد
ملك الاكابر فاسترق رقابهم
وتراه رقا في يدالاوغاد
وغيره :
تطرق اهل الفضل دون الورى
مصائب الدنيا وآفاتها
كالطير لا يسجن من بينها
الا التي تطرب اصواتها
(وقال الحمدوني ) :
ما ازددت من ادب حرفا اسر به
الا تزيدت حرفا تحته شوم
صفحة ٣٣٥
كذا المقدم في حذق بصنعته
انى توجه فيها فهو محروم
وسميت هذه الجريدة بالعقد المنظوم في ذكر افاضل الروم والمأمول ممن يطلع على كلماتي ان يغض الطرف عن عثراتي فان ذلك كلام من جربه الدهر بالبأس والبؤسى وجرعه سلافة الغموم كأسا فكأسا وما اصدق ابن عبد الكريم حيث يقول :
ولا المرء يبدي بالهموم فضيلة
ولا الشمس تبدو اذ يحول غمام
ومقدم هؤلاء السادة وواسطة هذه القلادة المولى عصام الدين ابو الخير احمد بن المولى مصلح الدين المشتهر بطاشكبري زاده
وكان المولى مصلح الدين المزبور من العلماء الاعيان توفي وهو مدرس باحدى المدارس الثمان بعد ما كان قاضيا بحلب ولما خلص المرحوم من ربقة الصبا فانتظم في سلك ارباب الحجر والحجا وفرق الغث عن السمين وميز الكاسد عن الثمين قام على اقدام الاقدام وشمر عن ساق الجد
والاهتمام في تحصيل المعارف والفضائل واتقان المقاصد والوسائل واشتغل على ابيه حتى ااز له برواية الحديث والتفسير راويا لهما على المولى خواجه أجاز عن المولى فخر الدين العجمي عن المولى حيدر عن المولى سعد الدين التفتازاني ثم قرا على المولى سيدي محمد القوجوي وصار ملازما له ثم قرأ على المولى محمود بن محمد بأن المشتهر بميرم جلبي وكمل عنده العلوم الرياضية ولما جاء الشيخ محمد التونسي المغوشي الى قسطنطينية قرأ عليه واشتغل لديه حتى اجاز له بأن يروي عنه التفسير والحديث وجميع ما يجوز اجازته ويصح روايته راويا عن الشيخ شهاب الدين احمد بن حجر العسقلاني ودرس اولا في مدرسة اروج باشا بقصبة ديموتوقه بخمسة وعشرين ثم مدرسة المولى محيي الدين ابن الحاج حسن قسطنطينية بثلاثين
صفحة ٣٣٦
ثم اسحاقية اسكوب بأربعين ثم المدرسة القلندرية بالوظيفة المزبورة في مدينة قسطنطينية ثم في مدرسة مصطفى باشا في المدينة المزبروة بخمسين ثم نقل الى احدى المدرستين المتجاورتين بأدرنه ثم عاد الى احدى المدارس الثمان ثم نقل الى مدرسة السلطان بايزيدخان في أدرنه ثم قلد قضاء بروسه سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة ثم عاد الى احدى المدارس الثمان ثم قلد قضاء قسطنطينية فاشتغل في اجراء الاحكام الدينية الى ان عرضت له عارضة الرمد فاضرت عيناه وعميت كريمتاه فكان مصداق ما ورد في الاثر اذا جاء القضاء عمي البصر فاستعفى عن المنصب واستتاب عن سوالفه واشتغل بتبييض بعض تواليفه بينا هو في هذه الامور اذ ابتلى بمرض الباسور فنعي بقرب اجله وانصرام امله ولما تيقن اقاربه بموته تضرعوا ان يجعلهم في حل من تقصيرهم في خدمته فاحسن في الجواب واستملى هذا الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وله وصحبه اجمعين وعلى المشايخ الزاهدين وعلى الفقراء الصابرين وعلى الاغنياء الشاكرين وسلم عليهم سلاما الى يوم الحشر والدين ثم اني اشهدك وأشهد ملائكتك بأني عشت على ملة الاسلام وعذت عن البدعة في الدين وأرجو ان ألقاك بالاسلام في يوم الدين ثم ان اولادي واقربائي التمسوا مني ان اجعهلم في حل مما عملوا من الاساءة فيما وجب عليهم من رعاية حقي واني جعلتهم في حل ان عملوا في رعاية حقي فيما بعد ذلك والسلام على سيدالانام وصحبة الكرام فلما تم التحرير من لسان ذلك التحرير انقطع عن عالم الانس واتصل بحظائر القدس وقضى نحبه ولقي ربه روح الله روحه وزاد كل يوم فتوحه وذلك سنة ثمان وستين وتسعمائة وكان المولى المرحوم بحرا من المعارف
صفحة ٣٣٧
والعلوم متسنما من الفضائل سنامها وغاربها مقيدا من المعاني شواردها وغرائبها وكان له اليد الطولى في تحرير المسائل وتصويرها وتدقيق المباحث وتنويرها تكل السنة الاقلام من افواه المحابر في ادائها وتقريرها ويكفيك آثاره المنيفة وتصانيفه الشريفة فمن رأى من السيف اثره فقد رأى اكثره وكان رحمه الله في جميع مباحثاته على النصفة والسداد راضيا بالحق عاريا عن المكابرة والعناد اذا احس من احد اللجاج والمنافسة امسك عن التكلم والمباحثة وكان رحمه الله قليل الرغبة في دنياه كثير التشمر في تحصيل زلفاه صارفا لجميع اوقاته في تحصيل العلوم وعباداته وحكي بعض من اثق بكلامه انه اشار يوما بيده الى لسانه وقال ان هذا فعل ما فعل من التقصير والزلل وصدر عنه ما صدر من الحق والغلط غير انه ما تكلم في طلب المناصب الدنيوية قط وكان يكتب خطا مليحا يرغب فيه مع كمال السرعة وقد كتب الكتب بخطه الشريف وقال واحد من اعيان تلاميذه حضرت طعامه ليلة من ليالي شهر رمضان وهو مدرس بالقلندرية وكان من عادته ان يدعو طلبته في كل ليلة من ليالي شهر رمضان فقال اني منذ توليت اسحاقية اسكوب جعلت لنفسي عادة وهي ان اكتب في كل سنة نسخة من تفسير البيضاوي وابيعها بثلاثة آلاف درهم وانفق ذلك المبلغ على طعام الطلبة في ليالي رمضان وسمعت من الثقات انه قال اتصلت ببعض المشايخ الصوفية وحصل لي بسببه الحمد لله تعالى بعض ما اشتاقه من نفائس السلوك وقداتفق لي انسلاخ كلي وفارقت بدني كل المفارقة فبينا انا على تلك الحالة اذ دخل وقت الظهر فقصدت التوضؤ للصلاة فلم اقدر على تحريك القالب واستعماله فيه حتى ذهب وقت الظهر ثم وقت العصر وانا على تلك الحالة ثم عدت على حالتي الاولى اللهم احشرنا في زمر الصالحين السالكين ولا تجعلنا في مهاوي الغفلة هالكين ذكر تواليفه منها الكتاب المسمى بالمعالم في علم الكلام وحاشية على حاشية التجريد للشريف الجرجاني من اول الكتاب الى مباحث الماهية جمع فيه مقالات المولى علي القوشي والمولى جلال الدين الدواني والمولى
صفحة ٣٣٨
مير صدر الدين والمولى ابن الخطيب واداها بأخصر عبارة وأليق اشارة ثم ذكر ما خطر له من تحقيق المقام وتبيين المرام وشرح القسم الثالث من كتاب المفتاح وشرح الفوائد الغياثية وهو شرح حافل يتضمن الرد على بعض المواضع من شرح المفتاح وكتاب سماه بالشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية وقد جمعه بعد عماه وهو اول من تصدى له وكتاب ذكر فيه انواع العلوم وضروبها وموضوعاتها وما اشتهر من المصنفات في كل فن مع نبذ من تواريخ مصنفيها فجاء كتابا عزيزا غزير الفائدة وصنف كتابا كبيرا في التاريخ جمع فيه ما ذكره ابن خلكان واضاف اليه سير الصحابة والتابعين وغيرهم ثم اختصر منه مجلدا لطيفا وكتب حاشية من اول شرح المفتاح للشريف الجرجاني وادمج فيها كلمات ابيه المولى مصلح الدين ولم يتم وشرح العوامل من المختصرات وشرح ديباجة الهداية وديباجة الطوالع وله مختصر في علم النحو على منوال مختصر البيضاوي وكتب رسائل وحقق فيها كثيرا من المسائل المشكلة والمباحث المعضلة وبقي اكثرها في المسودة وما تيسر تبييضه تنيف على خمسة عشر منها صورة الخلاص في سورة الاخلاص الرسالة الجامعة لوصف العلوم النافعة مسالك الخلاص في مهالك الخواص اجل المواهب في معرفة وجوب الواجب نزهة الالحاظ في عدم وضع الالفاظ للالفاظ رسالة التعريف والاعلام في حل مشكلات الحد التام القواعد الحمليات في تحقيق مباحث الكليات فتح الامر المغلق في مسئلة المجهول المطلق رسالة في تفسير آية الوضوء رسالة في تفسير قوله تعالى هو الذي خلق لك ما في الارض جميعا وكان رحمه الله ينظم الشعر العربي وقد كتب الى بعض اصدقائه بعد عماه :
سقيت بسيط الارض في كل ساعة
بدمع جدرى في ذكر خير الاحبة
وصفحة خدي كالوشاح المفصل
بقطر دموع بين فانىء عبرة
وعيني عقيق بياقوت مقلة
وإنسان عيني عنبر فوق جمرة
حرمت من الاحباب لذة نظرة
فواحسرتا ان لم افق قبل موتتي
صفحة ٣٣٩
ولا تجزعي يا نفس من نازل جرى
بتقدير خلاق إليه البرية
فإن الرضا والصبر في كل محنة
لمن اخلاق الصحاب النفوس الرضية
ولما كتب المفتي ابو السعود جزأ من تفسيره وارسله اليه كتب عليه هذه الابيات :
بنفسي جنابا حاز كل فضيلة
وصار لاظهار الحقيقة ضامنا
وايد روحا لقدس حسان طبعه
فجلى من الاسرار ما كان كامنا
ونافح عن عرض النبي تأدبا
ففي الحشر يلقاه من الخوف آمنا
بك الملة الزهراء اضحت منيرة
ففي الكوكب السيار قد صرت ثامنا
(غيره) :
ووصلت حمى نجد ايا ريح شمأل
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
فواأسفا رسم المدارس دارس
فهل عند رسم دارس من معول
ومنهم العالم الفاضل المولى يحيى بن نور الدين الشهير بكوسج الامين
كان ابوه من زمرة الامناء العثمانية وصار في عهدالسلطان بايزيدخان متوليا على الاخراجات الخاصة السلطانية واختار المرحوم من جودة طبعه وصفائه جادة العلم على طريقة آبائه فسلك مسلك التحصيل وذهب مذهب التكميل فاشتغل على أفاضل زمانه وأماثل أقرانه وصاحب الاعالي والاهالي حتى صار معيد الدرس المفتي علاء الدين الجمالي وتميز في خدمته حتى زوجه بابنته ثم درس في مدرسة قاسم باشا بمدينة بروسه المشتهرة بمدرسة الامير سلطان بخمسة وعشرين ثم مدرسة إبراهيم باشا بقسطنطينية بثلاثين ثم مدرسة يلدرم خان في بروسه باربعين ثم مدرسة احمد باشا بقصبة جورلي بخمسين ثم نقل الى مدرسة دار الحديث بأدرنه ثم الى احدى المدارس الثمان ثم الى المدرسة التي بناها السلطان سليمان بجوار جامع ايا صوفية ثم مدرسة السلطان مراد في مدينة بروسه ثم عاد الى احدى المدارس الثمان بستين ثم قلد قضاء بغداد ثم عزل عنه وعين له كل يوم ثمانون درهما بطريق التقاعد ولما بنى السلطان سليمان مدرسته بقسطنطينية
صفحة ٣٤٠
وجعلها دار الاحاديث النبوية اعطاها المرحوم لاشتهاره بعلم الحديث وعين له كل يوم مائة درهم ثم اتفق انه اتهم ببيع الاعادة والملازمة واخذ الرشا على اعطاء الحجرات فبلغ ذلك الى السلطان فغضب عليه وعزله فاغتم له غما شديدا فلم يذهب كثير حتى توفي سنة ثمان ستين وتسعمائة وكان المرحوم من افاضل الروم صاحب اليد الطولى في الحديث والتفسير وعلوم الوعظ والتذكير وله باع واسع في فن المحاضرات والتواريخ والمحاورات وكان رحمه الله لذيذ الصحبة حلو المحاورة خاليا عن الكبر والخيلاء مختلطا بالمساكين والفقراء وبالجملة كان رحمه الله رجلا اكمل واتم الا ان فيه خصلة سميه يحيى بن أكثم الذي هو اول من صرح بالميل الى المرد الملاح ذوي الخدود الصباح وهو الذي قال وأبان عما في البال :
فاذا فاتك هذا
فعلى الدنيا سلام
عفا الله عن سيآتهما وضاعف حسناتهما.
ومنهم المولى محمود الايديني المعروف بخواجه قايني
كان ابوه من كبار القضاة الحاكمين في القصبات وطلب العلم وكتب وزير حتى صار ملازما للمولى بدر الدين الاصفر فاتفق له عطفة من الزمان حيث تزوج باخته المولى خير الدين معلم السلطان فعلت به كلمته وارتفعت مرتبته فقلد مدرسة جندبك بمدينة بروسه بعشرين ثم مدرسة يري باشا بقصبة سلوري بخمسة وعشرين ثم المدرسة الافضلية بقسطنطينية بثلاثين ثم صار وظيفته فيها اربعين ثم درس بالمدرسة الحلبية بادرنه ثم باحدى المدارس الثمان ثم قلد قضاء حلب ثم عزل ثم قلد قضاء مكة ثم عزل ثم اعيد اليها ثم عزل فقبل وصوله الى منزله ادركته منيته وانقطعت امنيته بقصبة اسكدار سنة ثمان وستين وتسعمائة وكان المرحوم خلوقا بشوشا حليم النفس لا يتأذى منه احد رحمه الله الصمد
ومنهم المولى مصلح الدين
كان رحمه الله من قصبة نيكسار فخرج بعد بلوغه الى سن البلوغ طالبا
صفحة ٣٤١
للعلم من هذه الديار فدار البلاد واشتغل واستفاد حتى انتظم في سلك ارباب الاستعداد وصل الى خدمة المولى محيي الدين الفناري فاشتغل عليه مدة وحصل من العلوم عدة ثم وصل الى خدمة المولى محمد باشا فاجتهد في التحصيل والاستفادة حتى اذا انتقل المولى المزبور الى احدى المدرستين المتجاورتين بادرنه عينه لخدمة الاعادة ثم درس في مدرسة صاروجه باشا بقصبة كليبولي بعشرين ثم مدرسة الامير احمد الادرنوي بقصبة واردار بخمسة وعشرين ثم المدرسة الحجرية بادرنه بثلاثين ثم مدرسة يري باشا باربعين ثم مدرسة احمد باشا بقصبة جورلي بخمسين ثم نقل الى مدرسة مغنيسا فاشتغل فيها وافاد حتى ولي قضاء بغداد وفوض اليه الفتوى بهذه الديار وعين له من بيت المال كل سنة ألف وخمسمائة دينار وهو اول متولي بقضاء بغدان من قبل سلاطين آل عثمان فشرع في اجراء الشرع المبين وأقام بها ست سنين فنال فيها مانال من صنوف الامتعة والاموال ثم عزل وبقي في التعطل والهوان ثم اعطي مدرسة السلطان مراد خان بينا هو في تهيئة الاهب اذ قلد قضاء حلب ولم يمكث شهرين في حلب المحروسة حتى جاءت له البشرى بقضاء بروسه ثم قلد قضاء ادرنه ثم قسطنطينية المحمية ثم عزل وعين له كل يوم مائة درهم وحسبت مدة قضائه فبلغت عشرين سنة ثم اعطي له دار الحديث التي بناها السلطان سليمان بقسطنطينية وزيد في وظيفته ثلاثون فدام على المدارسة والمذاكرة حتى توفي سنة تسع وستين وتسعمائة ويحكى انه قصد ان يتوضا لصلاة الصبح فبينا هو في اثنائه اذ اتاه ذلك الامر العظيم وألم به الخطب الجسيم وكان رحمه الله معروفا بالعلم والصلاح يرى عليه آثار الفوز والفلاج متقشفا في اللباس متخشعا في معاملة الناس وكان مهيب المنظر ولطيف المخبر حسن المناظرة طيب المعاشرة وكان رحمه الله لذيذ الصحبة حسن النادرة ومن كلامه رحمه الله مثلنا مع حواشينا مثل الشمع الموقد بين اظهر قوم فانهم مستضيئون به ومنتفعون بنوره والشمع منتقص في كل وقت وفان ومتداع الى الخزي والخسران ولا يخفى ان كلامه هذا اشبه قول الامام الغزالي فقهاؤنا
صفحة ٣٤٢
كذبالة النبراس هي في الحريق وضوؤها للناس وقد اناف عمره على تسعين بعثة الله في زمرة الصالحين
ومنهم العالم العامل العارف الكامل المولى مصلح الدين بن شعبان ارقدهما الله تعالى في غرف الجنان
ولد في قصبة كليبولي كان ابوه من التجار واصحاب اليسار محبا للعلم واربابه ومعظما الصحابه فبذل في تعليم ابنه مالا جزيلا ومبلغا جليلا ودار المرحوم على افاضل عصره للاستفادة كالمولى القادري والمولى طاشكبري زاده فاحرز الفضائل والمعارف وجمع النوادر واللطائف وقال الشعر ومهر في فنونه وتلقب بالسروري واتسم كما هو دأب شعراء الروم والعجم وجعل يزاول كتب الاعاجم ويمارس حتى اصبح فارسا في معرفة لسان فارس ثم وصل الى خدمة محيي الدين الفناري فلما صار قاضيا بقسطنطينية استنابه فكان هو من طلبة المولى اول نائب فانهم من قبل كانوا يستخدمون الاجانب ثم درس في مدرسة صار وجه باشا بقصبة كيبولي بعشرين ثم درسة يري باشا بقسطنطينية بخمسة وعشرين ثم صارت وظيفته فيها ثلاثين ثم صارت اربعين ثم عزل ثم اعطي بخمسين مدرسة قاسم باشا المبنية بقصبة غلطه تجاه قسطنطينية المشتهرة الان باسم قاسم باشا بينا هو في بعض الاسحار يطالع نفائس الاسفار اذ نادى منادي الجذبات ان لله في أيام دهركم نفحات وقرع اسماع كل ساه ولاه الم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله سمع هذا الخطاب غلب عليه الشوق والانجذاب وترك التدريس واختار الخمول والانزواء واحب مراسم طريق ارباب الزهد والفناء وتاب على يد الشيخ محمود النقشبندي فلما توجه الى هذا الطريق وعلم انها صعب مضيق لا تسع الاثقال والاحمال ولا يسلكها الا الافراد من الرجال اختار مهماته وترك مجملاته وبنى مسجد الله وتخلص لعبادة مولاه :
هنيئا لعبد له بلغة
من العيش مذخورة عنده
يفر من الناس بغضا لهم
ويأنس بالله والوحده
صفحة ٣٤٣
فبعد مدة ورد عليه كتاب من قاسم باشا باني المدرسة المار ذكرها باني قد بنيت تلك المدرسة لاجلك وشرطت درسها لك ما دمت حيا فان لم تقبلها لاهدمنها من اساسها فاضطر المرحوم الى قبولها فاعطيت له ثانيا بخمسين فلما مضى عليه برهة من الزمان ابتلي بتعليم مصطفى خان بن السلطان سليمان خان فلما وصل اليه حل محلا رفيعا ومسندا منيعا وعلت كلمته وارتفعت مرتبته وكان لا يقطع امرا الا بمشورته ولا يفعل شيأ الا بمباشرته ومعرفته وبقي في اوفر جيش وارغد عيش حتى غضب ابوه وقصد دماره ثم قتله ومحا آثاره فلما قتل بحربة العذاب وتقطعت به الاسباب وقتل بعضهم السلطان وقهر فلا جرم تفرقوا من سطوته شذر مذر فلما رأى المرحوم من بدره افوله ساق الى دار الخمول حموله وتوجه ثانيا الى الانقطاع من الناس خوفا من حلول الباس فاستولى عليه من الفقر والفاقة مالا يحتمله طاقة وكان يكتب في بعض ازمانه ويقتات باثمانه وما اصدق من قال حيث ابان عن هذه الاحوال :
واني رأيت الدهر منذ صحبته
محاسنه مقرونة بمعايبه
اذا سرني اول الامر لم ازل
على حذر من غمه في عواقبه
ومع ذلك لم يظهر العجز والاسف وسار سيرة السلف وستر الحزن والكآبة وعمر مسجده وفتح بابه وأظهر الاهتمام في أداء وظائف الخدام حتى حكم فرقة من الناس بان هذه الحالات ليست الا محض الكرامات وقصد إليه بالنذور والقرابين ارباب السفن وطائفة الملاحين وكان رحمه الله
قد حفر قبره وتهيأ لمنونه وانتظره وادخر الفي درهم للتجهيز والتكفين وادى زكاته مدة عشر سنين ومات رحمه الله من مرض الهيضة سنة تسع وستين وتسعمائة وقبره رحمه الله تعالى عند مسجده في قصبة قاسم باشا يسر الله في عقباه ما شا وحزن الناس بموته وتبركوا بتربته وقد ذهب عمره بالتجرد والانفراد ولم يمل الى التوليد والاستيلاد وكان رحمه الله بهي المنظر لطيف المخبر حلو المحاضرة حسن المحاورة موصوفا بالعفة والصلاح
صفحة ٣٤٤
يلوح من جبينه آثار الفوز والفلاح وكان رحمه الله جواد الا يلبث في ساحة راحته غير جوده وسماحته وكان رحمه الله مكبا على التاليف وحريصا على التحرير والتصنيف فكتب كل ما خطر بباله من غير تمييز مستقبمة عن محاله ومع ذلك لم ينظر الى موضوع مرتين ولم يرجع البصر كرتين فلم يتيسر له الاحسان والاجادة وخلت تصانيفه عن الافادة ولا غرو فيه فما كل هاتفة ورقاء وما كل ناظرة زرقاء غير انه ترك من شروح بعض الكتب الفارسية آثارا جميلة ومؤلفات لا يظفر عليها الا باثمان جليلة تواليفه العربية منها الحواشي الكبرى على تفسير البيضاوي وأولها الحمد لله الذي جعلني كشاف القرآن وصيرني قاضيا بين الحق والباطلان والحواشي الصغرى عليه وشرح البخاري قريبا الى النصف وحاشية على التلويح وحاشية على اوائل الهداية وشرح لبعض المتون المختصرة تصديقه شرح كتاب المسنوي المولى في مائة كراس كبيرة وكان من عادته ان يعقد المجالس في مسجده وينقل ذلك الكتاب باوفى تقرير واوضح بيان فيزدحم الناس عليه من كل مكان وشرح كتاب كلستان وكتاب بوستان وشرح ديوان حافظ الشيرازي وشرح كتاب شبستان خيال وشرح عدة رسائل في فن المعمي وقدترجم عدة كتب بالتركي كالموجز من الطب وروض الرياحين من المحاضرات وقد بلغ عمره الى اثنتين وسبعين سنة كتب الله له الف حسنة
ومن علماء هذا الاوان المولى محيي الدين الشهير بجرجان
نشأ رحمه الله في قصبة اق يازي وطلب العلم وخرج من هذه البلاد فاجتمع بافاضل عصره واستفاد منهم المولى مصلح الدين المشتهر بطاشكبري زاده والمولى محمد شاه الشهير بداية ثم صار ملازما للمولى خير الدين معلم السلطان ففاز بحظ الظهور من بين الاقران ثم درس بالمدرسة القزازية في بروسه بخمسة وعشرين ثم مدرسة امير سلطان بثلاثين ثم قره كوز باشا بقصبة فلبه باربعين ثم مدرسة علي باشا بقسطنطينية بالوظيفة المسفورة ثم مدرسة كيزة
صفحة ٣٤٥
بخمسين ثم نقل الى مدرسة السلطان محمد بجوار مرقد ابي ايوب الانصاري عليه رحمة العزيز الباري ثم الى احدى المدارس الثمان ثم ولي الافتاء والتدريس باماسيه وعين له كل يوم سبعون درهما ثم زيد عليها عشرة ثم عزل بكائنة خروج السلطان بايزيد ابن السلطان سليمان ثم عين له كل يوم سبعون درهما وتوفي سنة سبع وستين وتسعمائة وكان رحمه الله رجلا سليما مأمون الصحبة مطرح التكلف كثير التواضع لا يضمر السوء لاحد وخلاصة الامر المذكور ان بايزيدخان المزبوركان اميرا في قصبة كوتاهية فقلده ابوه السلطان سليمان امارة اماسيه ونصب مكانه اخاه الاكبر سلطاننا السلطان سليم خان المظفر فاستشعر بايزيدخان المزبور من الامير المسفور ميلا من ابيه الى جانب اخيه بسبب ان كوتاهية قريبة الى قسطنطينية من اماسيه فامتلأت من ذلك نفسه حسدا وغيظا تاليا قوله تعالى تلك اذا قسمة ضيزى فصمم في الخروج عن طاعة ابيه السلطان والاغارة على اخيه سليم خان فاجتمع عليه اصحاب البغي والفساد من الذين طغوا في البلاد من لصوص الاتراك وأشرار الاكراد وجند الجنود وحشد الحشود وعزم على التقال مغترا بمن عنده من أرباب البغي والضلال ولم يدر ان حافر البئر لاخيه ساقط لا محالة فيه فلما وصل هذا الخبر الى ابيه السلطان ارسل اليه ينصحه ويعاتبه على هذا البغي والعدوان ولم يزده النصح الا البغي والنفور والرعونة والغرور ولم ينحرف عن جادة خسرانه ولم يرتدع عن طريقة طغيانه وأبي عن قبول النصح واستكبر وكان بغاثا في ارضه فاستنسر فداس البلاد بمن التف عليه من ارباب الفساد وقصد الى قتال اخيه معلنا بالخروج عن طاعة ابيه فلما استيقنه السلطان اشار الى من عنده من الابطال والفرسان ليلتحقوا الى ابنه سيلم خان ويتفقوا على تدمير الفئة الباغية واستئصال الفرقة الطاغية افاجابوه بالسمع والطاعة وتقلدوا بجرائز التباعة فلما وصل الفئة الباغية الى ظاهر قونية كالقضاء المبرم عارضهم السلطان سليم خان بجيش جرار عرمرم فلما اجتمع به الفتئان وتقابل الفريقان ودارت رحى الحرب وحمي الوطيس وتصادم الخيمس بالخميس قامت معركة كلت
صفحة ٣٤٦
عن وصفها السنة الاسنة واحست بشدائدها في الارحام الاجنة وتراءت الغلبة في اليوم الاول من جانب البغاة على زمرة المهتدين السراة فلما اصبحوا في اليوم الثاني وتعاطوا الحرب والنزال نادى منادي الحال الا ان الحرب سجال ونصر الله جنوده ورفع اعلامه وبنوده فهزموهم باذن الله وما رميت اذ رميت ولكن الله رماه وقصموا اصلابهم ثم قسموا اسلابهم وهيهات الظفر من جانبهم والغدر عاجله العار وآجله الدخول في النار وما اصدق ابن دريد حيث يقول :
من ملك الحرص القياد لم يزل
يكرع في ماء من الذي جرى
من لم يقف عندانتهاء قدره
تقاصرت عنه فسيحات الخطى
من ضيع الحزم جنى لنفسه
ندامة ألذع من سفع الذكا
ويقال ان عدد من قتل في المعركة من الفريقين يزيد على عشرة آلاف سوى من هلك في الطرق والاطراف ولما تفرق عسكر السلطان بايزيد المزبور كر راجعا ورد الى اماسيه هاربا نادما على فعله القبيح ومعترفا بخفته وطيشه الصريح فاحضر الشيخ خير الدين الايجادي والمولى
جرجان وتاب على يدالشيخ المزبور عما صدر عنه من البغي والعدوان وأشهدهما على الرجوع والارتداع وأرسلهما الى السلطان للشهادة بذلك ولااستشفاع وقبل وصولهما الى السلطان تحول عن رأيه وعاد الى غيه وأخذ اولاده الثلاثة الكبار وتوجه الى بلادالعجم بمن بقي عنده من الاشرار فقبل وصولهما الى عتبة السلطان ظهر خلاف ما جاآ به من خبر ترك العصيان فكره السلطان مجيئهما وتغيرو حبسهما في بيت في قسطنطينية حتى يظهر جلية الخبر من انهما لم يقصدا النفاق ولم يتفقا على الاختلاق وأطلقهما وعزل المولى المزبور عن منصب الفتيا ثم عين له سبعين درهما علم ما ذكرنا وآخر امر الامير بايزيد انه سافر وجد في سيره ولم يقدر احد من الامراء العثمانية على منعه وضيره وان تتابع الامر به اليهم من جانب السلطان حتى وصل الى بلادالعجم في قليل من الزمان فاستقبله رئيس الملحدين وعمدة المتمردين شاه طهماسب في نفر يسير من اصحابه يمكن
صفحة ٣٤٧
اسئصاله بمن معه من خلاصة احزابه فعرض على بايزيدخان بعض من امرائه الشجعان ان يأخذوا طهماسب ويقتلوا اصحابه ويستأصلوا احزابه فغلب عليه الجبن والخوف فلم يكن به راضيا وأخطأ في رأيه ثانيا فكان في الاخر مصداق لما قاله الشاعر :
اذا المرء لم يعرف مصالح نفسه
ولا هو ان قال الاحباء يسمع
فلا ترج منه الخير واتركه انه
بأيدي صروف الحادثات سيصفع
ولما اجتمعا اظهر طهماسب في وجه بايزيد توددا عظيما ووعد له جميلا وأتى به مع اصحابه الى بلده ثم فرق اصحابه بانواع الخدع والحيل حتى غدربه فحبسه مع اولاده فكان يضرب به المثل وقتل اكثر اصحابه وخلص بعضهم نفسه بالدخول في مذهبهم الباطل واحتال بعضهم حتى وصل
الى ديار الاسلام ونجا من ذلك الخطب الهائل اللهم سلط عليهم من يأخذ ثارهم ويخرب ديارهم ويمحو آثارهم واضربهم في نحورهم ونج المسلمين من شرورهم واجعل من خبائث وجودهم الارض طاهرة واجعلهم عبرة للعالمين في الاولى والاخرة ولما وصل الخبر الى السلطان ارسل الى طهماسب عدة من امرائه مع هدايا سمية وتحف سنية وطلب منه اولاده الماسورين فسلمهم اليه مقتولين فلما قبضوا اجسادهم دفنوهم في بلدة سيواس رب اعف عنهم وارحمهم بحرمة سيدالناس وكان بايزيدخان المزبور معروفا بالشجاعة والشهامة والفروسية والسخاء والاستقامة وكان محبا للعلم والعلماء ومترددا الى مجالس المشايخ والصلحاء وكان صاحب فهم وفراسة الا انه أعماه حب السلطنة والرياسة حتى صنع ما صنع ووقع فيما وقع وكان له الحظ الوافر من المعارف والمفاخر وكان ينظم الشعر بالتركي والفارسي وله بالفارسية :
آن سركه بانياز برين آستانه نيست
هركز داش زنيل سعادت نشانه نيست
آن قصه راز خسرو وشرين ميكند
او حسب حال ما ست فسون وفسانه نيست
صفحة ٣٤٨
رخسار خوب داري وموزون قامتي
هركز تراز سر بقدم بك بهانه نيست
مصرع اواش ساقط هست
آنراكه باجنين غزل عاشقانه نسيت
ومن غرائب الاتفاق انه كان تسمى في شعره بشاهي وقد ذهب في آخر عمره الى شاه طهماسب والتجأ اليه وآل امره الى ما أوقفناك عليه
ومنهم العالم الفاضل وواسطة عقد الافاضل صاحب الجد والافادة المولى محمد بن محمد الشهير بعرب زاده
نشأ رحمه الله طالبا للتحصيل وراغبا في التكميل فاشتغل على موالي عصره وأفاضل دهره وتتبع الكتب والرسائل وضبط القواعد والمسائل وبرز في الفنون وفاق وملأ بصيته الافاق وصار ملازما للمولى خير الدين معلم السلطان سليما ثم قلد المدرسة التي بناها عبد السلام بقصبة جكمجه بخمس وعشرين ثم صارت وظيفته فيها ثلاثين ثم ولي باربعين المدرسة التي بناها السلطان مراد الغازي بمدينة بروسه المشهور بقبولجه ثم نقل عنها الى مدرسة محمود باشا بقسطنطينية بخمسين وقبل ان يدرس فيها اعطي مدرسة السلطان سليمان ولم يذهب كثير حتى نقل الى احدى المدارس الثمان فداخله نوع من الغرور الذي يعمي القلوب التي في الصدور فنسي قوله تعالى ولا يغرنكم بالله الغرور تحرك على خلاف العادة وعين واحدا من طلبة المولى ابي السعود للاعادة فلما سمع تركه الادب قام المفتي على ساق الغضب وتهيأ للخصام وتاهب للانتقام فاضرم ناره وطلب ثاره وقصد الى ان يمحو آثاره فكتب الحكاية وعرضها على السلطان واظهر الشكاية فلما سمع السلطان اساءته الادب استولى عليه ثائرة الغضب فامر ان يكتبوا صورة فتوى مضمونها من حقر شيخ الاسلام ومفتي الانام فما جزاؤه عندالائمة العظام فاجاب المفتي المزبور بثلاث كلمات العزل للأبد والضرب الاشد والنفي عن البلد فعزله السلطان وعزم على تحقيره فأمر بتأديبه وتعزيره فاحضر الى الديوان كواحد من الاوغاد وضرب على رؤوس
صفحة ٣٤٩
الاشهاد فلما جاوز الضرب الحد أمر بنعيه عن البلد فارتحل وراية عزه منكوسة الى دار الملك بروسه ورجع بخفي حنين وأقام بها مدة سنتين لا أنيس له الا البعد والفراق وأيامه في الظلمة كليلة المحاق :
الدهر دولاب يدور
فيه السرور مع الشرور
بينا الفتى فوق السما
وإذا به تحت الصخور
ثم رضي عنه السلطان فاعطاه ثانيا احدى المدارس الثمان ثم نقل الى احدى المدارس السلطانية المعروفة عند الناس بالسليمانية ثم نقل من تلك العامرة الى قضاء القاهرة فلما عزم على السفر رأى مؤنة البر أكبر فقصد البحر في غير اوانه في زمن عتوه وطغيانه كيف لا وقد
أدبر الربيع وأقبل الشتاء والقت وشاة الثلوج والامطار برودة بين الارض والسماء ولبس السحاب فروة السنجاب وعرض اقطان الثلج قوس السحاب على الحلج وكم ناصح بذل جهده واستفرغ في نصحه مجهوده ورب حازم نصيح عرض عليه الرأي الصحيح الا ان سبق الكتاب اغفله عن طريق الصواب :
اذا انعكس الزمان على لبيب
يحسن رأيه ما كان قبحا
يعاني كل امر ليس يعنى
ويفسد ما رآه الناس صلحا
فلم يلتفت الى كلام وملام قائلا لا تكترثوا بشأن الشتاء فانما هو برد وسلام مركب البحر وأصحابه يمنعون تاليا قوله تعالى اذا جاء اجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فلما انفصل من جزيرة رودس هبت الرياح العاصفة واومضت البروق الخاطفة واظلمت السماء وطفت كرة الماء واضطرب البحر وماج وارتفعت الامواج وتواتر تواتر الكتائب وهجمت هجوم العدا على المراكب وظهر في ظهر البحر اودية وجبال وانجاد شاهقة وتلال فلما شاهدوا هذه الاحوال غابت الشمس في الحال وعزمت على العروج والتحصن بالبروج واصفرت وجنة القمر من خوف الهلاك وتشبث بذيل الافلاك وأقبل عليهم الليل وأنذرهم بالشدة والويل والسفينة بين الصعود والهبوط واهلها غارقون في بحر اليأس والقنوط واذا موج عظيم كالجبل يدب نحوهم
صفحة ٣٥٠
دبيب الاجل الى الامل فلما شاهدوا الويل سالت عبراتهم كالسيل وأخذوا في الاستغفار والاستحلال وشرعوا في التضرع والابتهال وطلبوا من الله الخلاص واجتهدوا في طريق المناص الا ان ارادة الجبار ساقت المركب نحو التيار فلم يمكن لذلك الفوج الا الدخول في الموج :
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
فلما انصب الماء عليهم وانقض تلو قوله تعالى {ظلمات بعضها فوق بعض} ولما ارتفعت تلك الطامة وفتح اعينهم الخاصة والعامة تفقد كل امرئ صاحبه ورفيقه ومصاحبه فاذا المرحوم وفرقة من رفقته وارباب صحبته فقدوا ولم ير لهم اثر ولم يسمع عنهم خبر :
كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا
انيس ولم يسمر بمكة سامر
وحكي انه كان رحمه الله قاعدا في كوثل السفينة مع سبعة عشر نفرا من اصحابه وخلاصة احزابه فلما غشيهم من اليم ما غشيهم واحاطهم ذلك الموج الكبير رمى بالكوثل الى البحر مع من به من الكبير والصغير وكان المرحوم يقرأ القرآن ويسأل الفرج من الملك الرحمن فما غرق الا والمصحف على صدره اغرقهم الله في بحار رحمته وجمع شملهم في حدائق جنته وحلول الباس بهذه الفئة سنة تسع وستين وتسعمائة وقد مضى من عمره خمسون سنة وكان رحمه الله من فحول عصره واكابر دهره صاحب تحقيق وتدقيق وتوفيق وتلفيق قوي الجنان نافذ الكلام يلوح من جبينه آثار الفوز والسعادة يصرف اكثر اوقاته في مطالعة الكتب والعبادة وكان في طريق الحق من السيوف الصوارم لا يخاف في الله لومة لائم وكان ينظم الشعر المحكم المشتمل على نبذ من الحكم وقد ظفرت بهذه الابيات الخليقة بالاثبات وقد قالها قبل موته بايام على ما نقله بعض الاعلام :
ايا طالبا مالا وتزعم مالكا
فما لك تدعو للعواري بمالكا
قم واشتغل كسب الكمال فانه
كمالك عند الله ليس كمالكا
وناج بذكر الله انك باسمه
لناج من الاحزان في كل حالكا
الهي ومولائي علمتك محسنا
جميلا فجاملني بنور جمالكا
صفحة ٣٥١
وجد نظرة وارفع حجاب هويتي
ولا تحرمني نفحة من وصالكا
اتيتك من كل الوسائل عاريا
ولم اك في هذا شقيا وهالكا
نهاية آمالي لقاؤك مسرعا
فيا موصل المشتاق بلغ هنالكا
وعلق حواشي على تفسير البيضاوي وعلى الهداية والعناية وفتح القدير وصدر الشريعة وعلى شرح المفتاح للشريف وعلى المطول الا ان اكثرها في حواشي الكتب ولم يتيسر له الجمع والترتيب ضاعف الله اجره انه قريب مجيب.
وممن انسلك في سلك هؤلاء السادة المولى نعمة الله الشهير بروشني زاده
كان أبوه من زمرة القضاة الحاكمين في بعض القصبات فلما مات وترك لابنه اموالا جليلة افناها في مستلذات نفسه في أزمنة قليلة وطلب العلم وحضر المجالس والمجامع حتى صار ملازما لعبد الواسع ثم درس بمدرسة بايزيدباشا في مدينة بروسه بعشرين ثم مدرسة قاسم باشا في المدينة المزبورة بخمسة وعشرين ثم فيها بمدرسة احمد باشا ابن ولي الدين بثلاثين ثم فيها ايضا بمدرسة يلدرم خان باربعين ثم مدرسة طربوزن بخمسين ثم مدرسة السلطان في بروسه بالوظيفة المزبورة ثم صارت وظيفته فيها ستين وولي تفتيش اوقاف بروسه ثم قضاء بغداد ثم نقل الى قضاء حلب ثم عزل وولي مدرسة السلطان مراد في بروسه في كل يوم ثمانون درهما ثم عزل وعين له وظيفته السابقة ثم قلد قضاء المدينة المنورة على ساكنها الصلاة والسلام وحمدت سيرته فيها وتوفي وهو قاض فيها سنة تسع وستين وتسعمائة وكان رحمه الله خفيف الروح ظريف الطبع لذيذ الصحبة صاحب لطائف ونوادر ذا مشاركة في العلوم ويقال ان له يدا في علم الكلام وكان في لسانه بذاذة وسفه يحذر الناس من شره عفا الله تعالى عنه وقد حكى عنه بعض الثقات غريبة ظهرت في أيام قضائه في بغداد وهي انه قال طلب اهل محلة من بغداد توسيع بعض الجوامع فعرضت ذلك على السلطان فورد الامر بالتوسيع فلما باشرناه وجدنا بجوار الجامع بعضا من القبور العتيقة منها قبر الشريف المرتضى علي بن طاهر فقصدنا نقل تلك القبور فلما فتحنا قبر الشريف رأيناه
صفحة ٣٥٢