علل الشرائع
محقق
تقديم : السيد محمد صادق بحر العلوم
سنة النشر
1385 - 1966 م
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، وسلم تسليما.
قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه القمي رضي الله عنه وأرضاه جعل الجنة منقلبة ومثواه.
(باب 1 - العلة التي من أجلها سميت السماء سماء والدنيا دنيا) (والآخرة آخرة. والعلة التي من أجلها سمى آدم آدم) (وحواء حواء، والدرهم درهما، والدينار دينارا عد والعلة التي) (من أجلها قيل للحمار: حر)
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن يعقوب عن علي بن محمد باسناده رفعه قال: أتى علي بن أبي طالب " ع " يهودي فقال يا أمير المؤمنين إني أسألك عن أشياء إن أنت أخبرتني بها أسلمت، قال علي " ع " سلني يا يهودي عما بدا لك فإنك لا تصيب أحدا أعلم منها أهل البيت، فقال له اليهودي أخبرني عن قرار هذه الأرض على ما هو، وعن شبه الولد أعمامه وأخواله، وعن أي النطفتين يكون الشعر والدم واللحم والعظم والعصب ولم سميت السماء سماء، ولم سميت الدنيا دنيا، ولم سميت الآخرة آخرة، ولم سمي آدم آدم، ولم سميت حواء حواء، ولم سمى الدرهم درهما، ولم سمى الدينار دينارا، ولم قيل للفرس
صفحة ١
أجد، ولم قيل للبغل عد، ولم قيل للحمار حر؟ فقال عليه السلام أما قرار هذه الأرض لا يكون إلا على عاتق ملك، وقدما ذلك الملك على صخرة، والصخرة على قرن ثور، والثور قوائمه على ظهر الحوت في اليم الأسفل، واليم على الظلمة، والظلمة على العقيم، والعقيم على الثرى، وما يعلم تحت الثرى إلا الله عز وجل، وأما شبه الولد أعمامه وأخواله فإذا سبق نطفة الرجل نطفة المرأة إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أعمامه، ومن نطفة الرجل يكون العظم والعصب وإذا سبق المرأة نطفة الرجل إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أخواله، ومن نطفتها يكون الشعر والجلد واللحم إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أخواله، ومن نطفتها يكون الشعر والجلد واللحم لأنها صفراء رقيقة. وسميت السماء سماء: لأنها وسم الماء يعني معدن الماء.
وإنما سميت الدنيا دنيا: لأنها أدنى من كل شئ. وسميت الآخرة آخرة لان فيها الجزاء والثواب. وسمى آدم آدم لأنه خلق من أديم الأرض، وذلك أن الله تعالى بعث جبرئيل عليه السلام وأمره ان يأتيه من أديم الأرض بأربع طينات طينة بيضاء وطينه حمراء وطينة غبراء وطينة سوداء وذلك من سهلها وحزنها ثم أمره ان يأتيه بأربع مياه: ماء عذب، وماء ملح، وماء مر، وماء منتن. ثم أمره ان يفرغ الماء في الطين وأدمه الله بيده فلم يفضل شئ من الطين يحتاج إلى الماء، ولا من الماء شئ يحتاج إلى الطين، فجعل الماء العذب في حلقه، وجعل الماء المالح في عينية، وجعل الماء المر في اذنيه، وجعل الماء المنتن في أنفه. وإنما سميت حواء حواء لأنها خلقت من الحيوان، وإنما قيل للفرس أجد لان أول من ركب الخيل قابيل يوم قتل أخاه هابيل، وأنشأ يقول:
أجد اليوم وما ترك الناس دما فقيل للفرس أجد لذلك، وإنما قيل للبغل عد، لان أول من ركب البغل آدم عليه السلام وذلك كان له ابن يقال معد، وكان عشوقا للدواب، وكان يسوق بآدم " ع " فإذا تقاعس البغل نادى يا معد سقها فألفت البغلة أسم معد، فترك الناس " ميم " معد وقالوا عد وإنما قيل للحمار حر لان أول من ركب الحمار حواء،
صفحة ٢
وذلك أنه كان لها حمارة وكانت تركبها لزيارة قبر ولدها هابيل فكانت تقول في مسيرها وا حراه فإذا قالت الكلمات سارت الحمارة وإذا سكتت تقاعست فترك الناس ذلك وقالوا حر، وإنما سمى الدرهم درهما، لأنه دراهم من جمعه ولم ينفقه في طاعة الله أورثه النار، وإنما سمى الدينار دينارا، لأنه دار النار من جمعه ولم ينفقه في طاعة الله فأورثه النار. فقال اليهودي: صدقت يا أمير المؤمنين، إنا لنجد جميع ما وصفت في التوراة فأسلم على يده ولازمه حتى قتل يوم صفين.
(باب 2 - العلة التي من أجلها عبدت النيران)
1 - أبى رحمه الله قال -: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب وأحمد بن محمد بن عيسى جميعا قال: حدثنا محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر وكرام بن عمرو عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن قابيل لما رأى النار قد قبلت قربان هابيل قال له إبليس: ان هابيل كان يعبد تلك النار، فقال قابيل لا أعبد النار التي عبدها هابيل ولكن أعبد نارا أخرى وأقرب قربانا لها فتقبل قرباني، فبنى بيوت النار فقرب، فلم يكن له علم بربه عز وجل، ولم يرث منه ولده إلا عبادة النيران.
(باب 3 - العلة التي من أجلها عبدت الأصنام)
1 - أبى رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن عيسى قال: حدثني محمد بن خالد البرقي قال: حدثني حماد بن عيسى عن حريز ابن عبد الله السجستاني عن جعفر بن محمد عليهما السلام، في قوله الله عز وجل (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سوعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) قال:
كانوا يعبدون الله عز وجل فماتوا، فضج قومهم وشق ذلك عليهم فجاءهم إبليس لعنه الله فقال لهم: اتخذ لكم أصناما على صورهم فتنظرون إليهم وتأنسون بهم وتعبدون الله فأعد لهم أصناما على مثالهم فكانوا يعبدون الله عز وجل وينظرون إلى تلك الأصنام، فلما جاء هم الشتاء والأمطار أدخلوا الأصنام البيوت فلم يزالوا
صفحة ٣
يعبدون الله عز وجل حتى هلك ذلك القرن ونشأ أولادهم فقالوا: إن آباءنا كانوا يعبدون هؤلاء فعبدوهم من دون الله عز وجل فذلك قول الله تبارك وتعالى (ولا تذرن ودا ولا سواعا) الآية.
(باب 4 - العلة التي من أجلها سمى العود خلافا)
1 - أبى رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله بن، عن أحمد بن محمد ابن عيسى عن الحسن بن محبوب عن النعمان عن بريد بن معاوية العجلي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إنما سمى العود خلافا، لان إبليس عمل صورة سواع من العود على خلاف صورة ود فسمى العود خلافا، وهذا في حديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
(باب 5 - العلة التي من أجلها تنافرت الحيوان من) (الوحوش والطير والسباع وغيرها)
1 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار عن الحسين بن الحسن بن أبان عن محمد بن أرومة عن عبد الله بن محمد عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كانت والوحوش والطير والسباع وكل شئ خلق الله عز وجل مختلطا بعضه ببعض فلما قتل ابن آدم أخاه نفرت وفزعت فذهب كل شئ إلى شكله.
(باب 6 - العلة التي من أجلها صار في الناس من هو خير من الملائكة) (وصار فيهم من هو شر من البهائم)
1 - أبى رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي ابن الحكم عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام فقلت الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ فقال: قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب " ع ": ان الله عز وجل ركب في الملائكة عقلا بلا شهوة، وركب في البهائم شهوة بلا عقل. وركب في بني آدم كليهما، فمن غلب عقله شهوته
صفحة ٤
فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم.
(باب 7 - العلة التي من أجلها صارت الأنبياء والرسل) (والحجج صلوات الله عليهم أفضل من الملائكة)
1 - حدثنا الحسن بن محمد سعيد الهاشمي قال: حدثنا فرات بن إبراهيم ابن فرات الكوفي قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علي الهمداني قال: حدثني أبو الفضل العباس بن عبد الله البخاري قال: حدثنا محمد بن القاسم بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: حدثنا عبد السلام بن صالح الهروي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي ابن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه منى، قال: علي عليه السلام فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل فقال يا علي، ان الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك، وان الملائكة لخدامنا وخدام محبينا. يا علي، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار، ولا السماء ولا الأرض، فكيف لا تكون أفضل من الملائكة، وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه، لان أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فانطقنا بتوحيده وتحميده، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة إنا خلق مخلوقون، وانه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا، لتعلم الملائكة ان لا إله إلا الله وإنا عبيد ولسنا بآلهة يجب ان نعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلا الله، فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة ان الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به، فلما شاهدوا ما جعله
صفحة ٥
الله لنا من العز والقوة قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله لتعلم الملائكة ان لا حول لنا ولا قوة إلا بالله، فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته، فقالت الملائكة: الحمد لله فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده، ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبة وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا واكراما. وكان سجودهم لله عز وجل عبودية ولآدم إكراما وطاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون، وانه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، ثم قال لي تقدم يا محمد، فقلت له يا جبرئيل أتقدم عليك؟ فقال: نعم، لان الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه على ملائكته أجمعين، وفضلك خاصة. فتقدمت فصليت بهم ولا فخر، فلما انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرئيل تقدم يا محمد وتخلف عنى، فقلت يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟ فقال يا محمد: ان انتهاء حدى الذي وضعني الله عز وجل فيه إلى هذا المكان فان تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدي حدود ربى جل جلاله فزج بي في النور زجة حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علو ملكة فنوديت يا محمد، فقلت: لبيك ربي وسعد يك تباركت وتعاليت، فنوديت يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فإياي فاعبد وعلي فتوكل، فإنك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي على بريتي، لك ولمن أتبعك خلقت جنتي، ولمن خالفك خلفت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتهم أوجبت ثوابي، فقلت يا رب: ومن أوصيائي، فنوديت يا محمد: أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي، فنظرت وأنا بين يدي ربى جل جلاله إلى ساق العرش فرأيت اثنى عشر نورا، في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي، أولهم: علي بن أبي طالب، وآخرهم مهدي أمتي، فقلت يا رب هؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت يا محمد هؤلاء أوليائي وأوصيائي وحججي بعدك على بريتي وهم أوصياؤك
صفحة ٦
وخلفاؤك وخير خلقي بعدك، وعزتي وجلالي، لأظهرن بهم ديني ولأعلين بهم كلمتي ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأمكننه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح، ولأذللن له السحاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب، ولأنصرنه بجندي ولأمدنه بملائكتي حتى تعلو دعوتي ويجتمع الخلق على توحيدي، ثم لأديمن ملكه، ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة.
2 - حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله البرقي قال: حدثني أبي، عن جده احمد ابن أبي عبد الله، عن أبيه عن محمد بن أبي عمير، عن عمرو بن جميع عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان جبرئيل إذا أتى النبي صلى الله عليه وآله قعد بين يده قعدة العبد، وكان لا يدخل حتى يستأذنه.
3 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ومحمد بن أبي عمير جميعا عن أبان عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما كان يوم أحد انهزم أصحاب رسول الله حتى لم يبق معه إلا علي بن أبي طالب " عليه السلام " وأبو دجانة سماك بن خرشة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله يا أبا دجانة، أما ترى قومك، قال بلي قال:
إلحق بقومك، قال: ما على هذا بايعت الله ورسوله قال: أنت في حل قال: والله لا تتحدث قريش بأني خذلتك وفررت حتى أذوق ما تذوق فجزاه النبي خيرا وكان علي عليه السلام كلما حملت طائفة على رسول الله استقبلهم وردهم حتى أكثر فيهم القتل والجراحات حتى انكسر سيفه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله ان الرجل يقاتل بسلاحه وقد انكسر سيفي فأعطاه عليه السلام سيفه ذا الفقار، فما زال يدفع به عن رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أثر وانكسر فنزل عليه جبرئيل وقال: يا محمد، ان هذه لهي المواساة من علي لك، فقال النبي صلى الله عليه وآله انه مني وأنا منه، فقال جبرئيل وأنا منكما. وسمعوا دويا من السماء لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا على.
صفحة ٧
قال: مصنف هذا الكتاب رحمه الله، قول جبرئيل: وانا منكما، تمنى منه لان يكون منهما فلو كان أفضل منهما لم يقل ذلك ولم يتمن ان ينحط عن درجته إلى أن يكون ممن دونه، وإنما قال: وأنا منكما ليصير ممن هو أفضل منه فيزداد محلا إلى محله، وفضلا إلى فضله.
4 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار النيسابوري رحمه الله قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة قال : حدثنا الفضل بن شاذان. عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وآله وحضرت الصلاة إذن جبرئيل وأقام الصلاة، فقال يا محمد تقدم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله تقدم يا جبرئيل، فقال له: إنا لا نتقدم على الآدميين منذ أمرنا بالسجود لآدم.
5 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبد الوهاب القرشي قال: أخبرنا أحمد ابن الفضل قال حدثنا منصور بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا الحسن بن مهزيار قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم العوفي قال: حدثنا أحمد بن الحكم البراجمي قال: حدثنا شريك بن عبد الله، عن أبي وقاص العامري عن محمد بن عمار ابن ياسر، عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول إن حافظي علي بن أبي طالب ليفتخران على جميع الحفظة لكينونتهما مع علي وذلك أنهما لم يصعد إلى ا لله تعالى بشئ منه يسخط الله تبارك وتعالى.
(باب 8 - في أنه لم يجعل شئ إلا بشئ)
1 قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الفقيه مصنف هذا الكتاب رحمة الله عليه. حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد ابن الوليد رضي الله عنهما قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله " ع " انه سأله شئ من الحلال والحرام، فقال إنه لم يجعل شئ إلا لشئ.
صفحة ٨
(باب 9 - علة خلق الخلق واختلاف أحوالهم)
1 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن إدريس عن الحسين بن عبيد الله عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن عبد الكريم بن عبد الله عن سلمة ابن عطا عن أبي عبد الله " ع " قال: خرج الحسين بن علي عليهما السلام على أصحابه فقال: أيها الناس ان الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه، فقال له رجل: يا بن رسول الله بأبي أنت وأمي فما معرفة الله؟ قال معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته.
قال: مصنف هذا الكتاب - يعني ذلك - ان يعلم أهل كل زمان ان الله هو الذي لا يخليهم في كل زمان عن إمام معصوم، فمن عبد ربا لم يقم لهم الحجة فإنما عبد غير الله عز وجل.
2 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال: سألت الصادق جعفر بن محمد " ع " فقلت له لم خلق الله الخلق؟ فقال: ان الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى بل خلقهم لاظهار قدرته وليكلفهم طاعته فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرة بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد.
3 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار عن سهل بن زياد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمد بن زيد قال:
جئت إلى الرضا " ع " أسأله عن التوحيد، فأملى على الحمد لله فاطر الأشياء إنشاءا ومبتدعها ابتداءا بقدرته وحكمته، لامن شئ فيبطل الاختراع، ولا لعله فلا يصح الابتداع، خلق ما شاء كيف شاء متوحدا بذلك لاظهار حكمته وحقيقة ربوبية، لا تضبطه العقول ولا تبلغه الأوهام ولا تدركه الابصار ولا يحيط به مقدار
صفحة ٩
عجزت دونه العبارة، وكلت دونه الابصار، وضل فيه تصاريف الصفات احتجب بغير حجاب محجوب، وأستتر بغير ستر مستور، عرف بغير رؤية ووصف بغير صورة، ونعت بغير جسم، لا إله إلا الكبير المتعال.
4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد ابن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، وحدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثني سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن حبيب السجستاني قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الله عز وجل لما أخرج ذرية آدم " ع " من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق له بالربوبية، وبالنبوة لكل نبي، كان أول من أخذ عليهم الميثاق نبوة محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وآله ثم قال الله جل جلالة لآدم: أنظر ماذا ترى قال: فنظر آدم إلى ذريته وهم (ذر) قد ملؤا السماء، فقال آدم يا رب ما أكثر ذريتي ولأمر ما خلقتهم؟ فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم؟ قال الله عز وجل: يعبدونني ولا يشركون بي شيئا، ويؤمنون برسلي ويتبعونهم. قال آدم: يا رب، فمالي أرى بعض الذر أعظم من بعض وبعضهم له نور كثير وبعضهم له نور قليل وبعضهم ليس له نور؟ قال الله عز وجل: كذلك خلقتهم لأبلوهم في كل حالاتهم. قال آدم: يا رب أفتأذن لي في الكلام فأتكلم؟ قال الله عز وجل: تكلم فان روحك من روحي وطبيعتك من خلاف كينونتي، قال آدم: يا رب، لو كنت خلقتهم على مثال واحد وقدر واحد وطبيعة واحدة وجبلة واحدة وألوان واحدة وأعمار واحدة وأرزاق سواء، لم يبغ بعضهم على بعض ولم يكن بينهم تحاسد ولا تباغض ولا اختلاف في شئ من الأشياء؟ قال الله جل جلالة: يا آدم، بروحي نطقت وبضعت طبعك تكلفت ما لا علم لك به وأنا الله الخالق العليم بعلمي خالفت بين خلقهم وبمشيتي يمضى فيهم أمري والى تدبيري وتقديري هم صايرون لا تبديل لخلقي، وإنما خلقت الجن والإنس ليعبدوني، وخلقت الجنة لمن عبدني وأطاعني منهم، واتبع رسلي ولا
صفحة ١٠
أبالي، وخلقت النار لمن كفر بي وعصاني ولم يتبع رسلي ولا أبالي، وخلقتك وخلقت ذريتك من غير فاقة لي إليك واليهم، وإنما خلقتك وخلقتهم لأبلوك وأبلوهم أيكم أحسن عملا في دار الدنيا في حياتكم وقبل مماتكم، وكذلك خلقت الدنيا والآخرة والحياة والموت والطاعة والمعصية والجنة والنار، وكذلك أردت في تقديري وتدبيري وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم وأجسامهم وألوانهم وأعمارهم وأرزاقهم وطاعتهم ومعصيتهم، فجلعت منهم السعيد والشقي، والبصير والأعمى، والقصير والطويل، والجميل والذميم، والعالم والجاهل، والغنى والفقير، والمطيع والعاصي، والصحيح والسقيم، ومن به الزمانة ومن لا عاهلة به، فينظر الصحيح إلى الذي به العاهة فيحمدني على عافيته، وينظر الذي به العاهة إلى الصحيح فيدعوني ويسألني ان أعافيه ويصبر على بلائي فأثيبه جزيل عطائي، وينظر الغني إلى الفقير فيحمدني ويشكرني، وينظر الفقير إلى الغني فيدعوني ويسألني، وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني على ما هديته فلذلك خلفتهم لأبلوهم في السراء والضراء، وفيما عافيتهم وفيما ابتليتهم وفيما أعطيتهم وفيما أمنعهم، وانا الله الملك القادر، ولى أن أمضى جميع ما قدرت على ما دبرت ولي ان أغير من ذلك ما شئت إلى ما شئت فأقدم من ذلك ما أخرت وأؤخر ما قدمت، وأنا الله الفعال لما أريد لا أسأل عما أفعل وانا أسأل خلقي عما هم فاعلون.
5 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن هارون ابن مسلم عن مسعدة بن زياد قال: قال رجل لجعفر بن محمد يا أبا عبد الله، إنا خلقنا للعجب؟ قال: وما ذاك لله أنت، قال خلقنا للفناء؟ فقال: مه يا بن أخ، خلقنا للبقاء وكيف تفنى جنة لا تبيد ونار لا تخمد ولكن قل: إنما نتحرك من دار إلى دار 6 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد ابن إدريس عن محمد أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن علي الوشاء، عمن ذكره، عن بعضهم قال: ما من يوم الا وملك ينادي
صفحة ١١
من المشرق لو يعلم الخلق لماذا خلقوا قال: فيجيبه ملك آخر من المغرب: لعملوا لما خلقوا.
7 - أخبرني أبو الحسن طاهر بن محمد بن يونس بن حياة الفقيه فيما أجازه لي ببلخ قال: حدثنا محمد بن عثمان الهروي قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن مهاجر قال حدثنا هشام بن خالد قال: حدثنا الحسن بن يحيى قال: حدثنا صدقة بن عبد الله، عن هشام، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبرئيل عليه السلام قال قال الله تبارك وتعالى: من أهان وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما ترددت في شئ أنا فاعله مثل ترددي في قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه وما يتقرب إلى عبدي بمثل أداء ما اقترضت عليه ولا يزال عبدي يبتهل إلي حتى أحبه ومن أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا وموئلا إن دعاني أجبته وأن سألني أعطيته، وان من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فاكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده، وان عبادي المؤمنين لمن لم يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك، وان من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه بالغني ولو أفقرته لأفسده ذلك، وان من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو صححت جسمه لأفسده ذلك، وان من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك، أني أدبر عبادي بعلمي بقلوبهم فإني عليم خبير.
8 - حدثنا محمد بن أحمد الشيباني رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال: حدثنا عبد الله موسى الحبال الطبري قال: حدثنا محمد بن الحسين الخشاب قال: حدثنا محمد بن محسن عن يونس بن ظبيان قال: قال الصادق جعفر ابن محمد عليه السلام: ان الناس يعبدون الله عز وجل على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدونه خوفا من النار فتلك عبادة العبيد وهي رهبة، ولكني أعبده حبا له عز وجل فتلك
صفحة ١٢
عبادة الكرام وهو الامن لقوله عز وجل: (وهم من فزع يومئذ آمنون قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) فمن أحب الله عز وجل أحبه الله، ومن أحبه الله عز وجل كان من الآمنين.
9 - حدثنا الحسين بن يحيى بن ضريس البجلي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن عمارة السكري السرياني قال: حدثنا إبراهيم ين عاصم بقزوين قال: حدثنا عبد الله بن هارون الكرخي قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن يزيد بن سلام بن عبد الله بن عبد الله مولى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: حدثني عبد الله ابن يزيد قال: حدثني أبي يزيد بن سلام عن أبيه سلام بن عبد الله أخي عبد الله ابن سلام عن عبد الله بن سلام مولى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: في صحف موسى بن عمران " ع " يا عبادي: إني لم أخلق لأستكثر بهم من قلة، ولا لأنس بهم من وحشة، ولا لأستعين بهم على شئ عجزت عنه، ولا لجر منفعة، ولا لدفع مضرة، ولو أن جميع خلقي من أهل السماوات والأرض اجتمعوا على طاعتي وعبادتي لا يفترون عن ذلك ليلا ولا نهارا ما زاد ذلك في ملكي شيئا سبحاني وتعاليت عن ذلك.
10 - حدثنا محمد بن أحمد الشيباني رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي عن علي بن سالم عن أبيه عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله " ع " عن قول الله عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) قال: خلقهم ليأمرهم بالعبادة، قال: وسألته عن قوله الله عز وجل (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) ولذلك خلقهم؟ قال: ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم 11 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثني محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن عبد الله بن أحمد النهيكي عن علي بن الحسن الطاطري قال: حدثنا درست بن أبي منصور عن جميل بن دراج
صفحة ١٣
قال: لأبي عبد الله " ع " جعلت فداك ما معنى قول الله عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فقال: خلقهم للعبادة.
12 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن الحسن بن علي بن فضال عن ثعلبة بن ميمون عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله " ع " قال: سألته عن قول الله عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) قال: خلقهم للعبادة قلت: خاصة أم عامة؟ قال: لا، بل عامة.
13 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي عن علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: لم خلق الله سبحانه وتعالى الخلق على أنواع شتى ولم يخلقهم نوعا واحدا؟ فقال لئلا يقع في الأوهام انه عاجز ولا يقع صورة في وهم ملحد إلا وقد خلق الله عز وجل عليها خلقا لئلا يقول قائل: هل يقدر الله عز وجل على أن يخلق صورة كذا وكذا، لأنه لا يقول من ذلك شيئا إلا وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى فيعلم بالنظر إلى أنواع خلقه انه على كل شئ قدير.
(باب 10 - العلة التي من أجلها سمى آدم آدم)
1 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد ابن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما سمي آدم آدم لأنه خلق من أديم الأرض.
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله اسم الأرض الرابعة أديم، وخلق آدم منها، فلذلك قيل خلق من أديم الأرض.
صفحة ١٤
(باب 11 العلة التي من أجلها سمى الانسان إنسانا)
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن معاوية بن حكيم عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله " ع " قال: سمي الانسان إنسانا لأنه ينسى، وقال الله عز وجل:
(ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي).
(باب 12 العلة التي من أجلها خلق الله عز وجل آدم من غير أب وأم) وخلق عيسى من غير أب، وخلق ساير الخلق من الآباء والأمهات)
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي عن علي بن سالم عن أبيه عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله " ع " لأي علة خلق الله عز وجل آدم من غير أب وأم، وخلق عيسى " ع " من غير أب وخلق ساير الناس من الآباء والأمهات؟ فقال: ليعلم الناس تمام قدرته وكمالها، ويعلموا أنه قادر على أن يخلق خلقا من أنثى من غير ذكر، كما هو قادر على أن يخلقه من غير ذكر ولا أنثى وانه عز وجل فعل ذلك ليعلم انه على كل شئ قدير.
(باب 13 - العلة التي من أجلها جعل الله عز وجل الأرواح) (في الأبدان، بعد أن كانت مجردة عنها في أرفع محل)
1 - حدثنا علي بن أحمد عن محمد بن أبي عبد الله عن محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا جعفر بن سليمان بن أيوب الخزاز قال: حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي قال قلت لأبي عبد الله " ع " لأي علة جعل الله عز وجل الأرواح في الأبدان بعد كونها في ملكوته الاعلى في أرفع محمل؟ فقال عليه السلام ان الله تبارك وتعالى علم أن الأرواح في شرفها وعلوها متى ما تركت على حالها نزع أكثرها إلى دعوى الربوبية دونه عز وجل فجعلها بقدرته في الأبدان التي قدر لها في ابتداء التقدير نظرا لها ورحمة بها وأحوج بعضها إلى بعض وعلق بعضها على بعض ورفع بعضها
صفحة ١٥
على بعض في الدنيا ورفع بعضها فوق بعض درجات في الآخرة وكفى بعضها ببعض وبعث إليهم رسله واتخذ عليهم حججه مبشرين ومنذرين يأمرون بتعاطي العبودية والتواضع لمعبودهم بالأنواع التي تعبدهم بها، ونصب لهم عقوبات في العاجل وعقوبات في الآجل ومثوبات في العاجل ومثوبات في الآجل ليرغبهم بذلك في الخير ويزيدهم في الشر وليده لم بطلب المعاش والمكاسب فيعملوا بذلك انهم بها مربوبون وعباد مخلوقون ويقبلوا على عبادته فيستحقوا بذلك نعيم الأبد وجنة الخلد ويأمنوا من الفزع إلى ما ليس لهم بحق.
ثم قال " ع ": يا بن الفضل، ان الله تبارك وتعالى أحسن نظرا لعباده منهم لأنفسهم ألا ترى انك لا ترى فيهم إلا محبا للعلو على غيره حتى يكون منهم لمن قد نزع إلى دعوى الربوبية، ومنهم من قد نزع إلى دعوى النبوة بغير حقها، ومنهم من قد نزع إلى دعوى الإمامة بغير حقها وذلك مع ما يرون في أنفسهم من النقص والعجز والضعف والمهانة والحاجة والفقر والآلام والمناوبة عليهم والموت الغالب لهم والقاهر لجمعهم، يا بن الفضل: ان الله تبارك وتعالى لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ولا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون.
(باب 14 - العلة التي من أجلها سميت حواء حواءا)
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله " ع " قال: سميت حواء حواء لأنها خلقت من حي، قال الله عز وجل (خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها).
(باب 15 - العلة التي من أجلها سميت المرأة مرأة)
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد رضي الله عنه قال: حدثني محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سميت المرأة مرأة
صفحة ١٦
لأنها خلقت من المرء - يعنى خلقت حواء من آدم.
(باب 16 - العلة التي من أجلها سميت النساء نساءا)
1 - أبى رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو، عن عبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد الله " ع " في حديث طويل قال: سمي النساء نساءا لأنه لم يكن لآدم " ع " أنس غير حواء.
(باب 17 - علة كيفية بدء النسل)
1 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى العطار جميعا قالا: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري (1) قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن أحمد بن إبراهيم بن عمار قال: حدثنا ابن نويه رواه، عن زرارة قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام كيف بدؤ النسل من ذرية آدم عليه السلام فإن عندنا أناس يقولون إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم عليه السلام ان يزوج بناته من بنيه وان هذا الخلق كله أصله من الاخوة والأخوات؟ قال أبو عبد الله: سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، يقول من يقول هذا إن الله عز وجل جعل أصل صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله وحججه والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر والطاهر الطيب والله لقد نبأت ان بعض البهائم تنكرت له أخته فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها وعلم أنها أخته أخرج عزموا له ثم قبض عليه بأسنانه ثم قلعه ثم خر ميتا. قال زرارة: ثم سئل " ع " عن خلق حواء وقيل له ان أناسا عندنا يقولون إن الله عز وجل خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى؟ قال سبحان الله وتعالى
صفحة ١٧
عن ذلك علوا كبيرا، أيقول من يقول هذا إن الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته من غير ضلعه، وجعل لمتكلم من أهل التشنيع سبيلا إلى الكلام، يقول إن آدم كان ينكح بعضه بعضا إذا كانت من ضلعه ما لهؤلاء حكم الله بيننا وبينهم، ثم قال إن الله تبارك وتعالى لما خلق آدم من الطين وأمر الملائكة فسجدوا له ألقى عليه السبات ثم أبتدع له خلقا، ثم جعلها في موضع النقرة التي بين وركيه ، وذلك لكي تكون المرأة تبعا للرجل، فأقبلت تتحرك فانتبه لتحركها فلما انتبه نوديت ان تنحى عنه فلما نظر إلى إليها نظر إلى خلق حسن تشبه صورته غير أنها أنثى فكلمها فكلمته بلغته، فقال لها من أنت؟ فقالت خلق خلقني الله كما ترى، فقال آدم عند ذلك يا رب من هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربة والنظر إليه؟ فقال الله هذه أمتي حواء أفتحب أن تكون معك فتؤنسك وتحدثك وتأتمر لأمرك؟ قال: نعم يا رب ولك بذلك الحمد والشكر ما بقيت، فقال الله تبارك وتعالى فاخطبها إلى فإنها أمتي وقد تصلح أيضا للشهوة، وألقى الله عليه الشهوة وقد علمه قبل ذلك المعرفة، فقال يا رب فإني أخطبها إليك فما رضاك لذلك؟ فقال رضائي ان تعلمها معالم ديني، فقال ذلك لك يا رب أن شئت ذلك، قال: قد شئت ذلك وقد زوجتكها فضمها إليك، فقال: أقبلي، فقالت بل أنت فاقبل إلي، فأمر الله عز وجل آدم ان يقوم إليها فقام، ولولا ذلك لكان النساء هن يذهبن إلى الرجال حتى خطبن على أنفسهن، فهذه قصة حواء صلوات الله عليها.
2 - أبى رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن ابن أبان، عن محمد بن أورمة، عن النوفلي، عن علي بن داود اليعقوبي عن الحسن بن مقاتل، عمن سمع زرارة يقول سئل أبو عبد الله عليه السلام عن بدء النسل من آدم كيف كان وعن بدء النسل عن ذرية آدم فان أناسا عندنا يقولون إن الله عز وجل أوحى إلى آدم يزوج بناته ببنيه وان هذا الخلق كله أصله من الاخوة والأخوات؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
صفحة ١٨
يقول من قال هذا بان الله عز وجل خلق صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من حلال وقد أخذ ميثاقهم على الحلال الطهر الطاهر الطيب، فوالله لقد تبينت ان بعض البهائم تنكرت له أخته فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها فلما علم أنها أخته أخرج عزموا له ثم قبض عليه بأسنانه حتى قطعه فخر ميتا، وآخر تنكرت له أمه ففعل هذا بعينه فكيف الانسان في انسيته وفضله وعلمه، غيران جيلا من هذا الخلق الذي ترون رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه فصاروا إلى ما قد ترون من الضلال والجهل بالعلم، كيف كانت الأشياء الماضية من بدء ان خلق الله ما خلق وما هو كاين أبدا، ثم قال ويح هؤلاء أين هم عما لم يختلف فيه فقهاء أهل الحجاز ولا فقهاء أهل العراق ان الله عز وجل أمر القلم فجرى على اللوح المحفوظ بما هو كاين إلى يوم القيامة قبل خلق آدم بألفي عام وان كتب الله كلها فيما جرى فيه القلم في كلها تحريم الأخوات على الاخوة مع ما حرم وهذا نحن قد نرى منها هذه الكتب الأربعة المشهورة في هذا العالم: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، أنزلها الله عن اللوح المحفوظ عن رسله صلوات الله عليهم أجمعين، منها التوراة على موسى (عليه السلام) والزبور على داود (عليه السلام) والإنجيل على عيسى (عليه السلام) والقرآن على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى النبيين عليهم السلام، وليس فيها تحليل شئ من ذلك، حقا أقول ما أراد من يقول هذا وشبهه إلا تقوية حجج المجوس فما لهم قاتلهم الله، ثم أنشأ يحدثنا كيف كان بدء النسل من آدم وكيف كان بد النسل من ذرية، فقال: ان آدم عليه السلام ولد له سبعون بطنا في كل بطن غلام وجارية إلى أن قتل هابيل، فلما قتل قابيل هابيل جزع آدم على هابيل جزعا قطعه عن اتيان النساء فبقي لا يستطيع ان يغشى حواء خمسمائة عام ثم تخلى ما به من الجزع عليه فغشي حواء فوهب الله له شيئا وحده ليس معه ثان، واسم شيث هبة الله وهو أول من أوصى إليه من
صفحة ١٩
الآدميين في الأرض، ثم ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثان فلما أدركا وأراد الله عز وجل ان يبلغ بالنسل ما ترون وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرم الله عز وجل من الأخوات على الاخوة انزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها (نزلة) فأمر الله عز وجل آدم ان يزوجها من شيث فزوجها منه، ثم أنزل بعد العصر حوراء من الجنة اسمها (منزلة) فأمر الله تعالى آدم ان يزوجها من يافث فزوجها منه فولد لشيث غلام وولدت ليافث جارية فأمر الله عز وجل آدم حين أدركا ان يزوج بنت يافث من ابن شيث ففعل فولد الصفوة من النبيين والمرسلين من نسلهما ومعاذ الله أن يكون ذلك على ما قالوا من الاخوة والأخوات.
(باب 18 - ما ذكره محمد بن الشيباني المعروف بالرهنى رحمه الله) (في كتابه: من قول مفضلوا الأنبياء والرسل والأئمة والحجج) (صلوات الله عليهم أجمعين على الملائكة)
1 - قال مفضلوا الأنبياء والرسل والحجج والأئمة على الملائكة إنا نظرنا إلى جميع ما خلق الله عز وجل من شئ علا علوا طبعا واختيارا أو على به قسرا واضطرارا أو ما سفل شئ طبعا واختيارا أو سفل به قهرا واضطرارا فإذا هي ثلاثة أشياء بالاجماع: حيوان ونام وجماد وأفلاك سايرة، وبالطبع الذي طبعها عليه صانعها دايرة وفيما دونها عن إرادة خالقها مؤثرة، وانهم نظروا في الأنواع الثلاثة وفي الأشياء التي هي أجناس منقسمة إلى جنس الأجناس الذي هو شئ إذ يعطي كل شئ اسمه، قالوا ونظرنا - أي الثلاثة وهو نوع لما فوقه وجنس لما تحته أنفع وأرفع وأيها أدون وأوضع - فوجدنا أرفع الثلاثة الحيوان وذلك بحق الحياة التي بان بها النامي والجماد، وإنما رفعة الحيوان عندنا في حكمة الصانع وترتيبها ان الله تقدست أسماؤه، جعل النامي له غذاء وجعل له عندكل داء دواء وفيما قدر له صحة وشفاء فسبحانه ما أحسن ما دبره في ترتيب حكمته إذا الحيوان
صفحة ٢٠