علل النحو
محقق
محمود جاسم محمد الدرويش
الناشر
مكتبة الرشد
الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩م
مكان النشر
الرياض / السعودية
تصانيف
النحو والصرف
(٢٩ - بَاب الظروف)
إِن قَالَ قَائِل: لم تعدى الْفِعْل إِلَى ظروف الزَّمَان خاصيا وعاميا من غير توَسط حرف الْجَرّ، نَحْو قَوْلك: قُمْت وقتا، وَقمت يَوْم الْجُمُعَة؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن الْفِعْل يدل بصيغته على الزَّمَان، وَهُوَ مضارع للزمان بِنَفسِهِ، فَلَمَّا صَار الزَّمَان مشاركا للْفِعْل هَذِه الْمُشَاركَة، اسْتحق طرح حرف الْجَرّ مِنْهُ، إِذْ كَانَ حذفه لَا يشكل، وَهُوَ أخف فِي اللَّفْظ.
وَأما ظروف الْمَكَان فالفعل لَا يدل عَلَيْهَا من لَفظه، وَإِنَّمَا يدل عَلَيْهَا بِالْمَعْنَى، كَمَا يدل على الْفِعْل وَالْمَفْعُول، إِذا تعدى الْفِعْل إِلَيْهِ بِحرف جر، لَا يجوز حذف حرف الْجَرّ مِنْهُ، إِلَّا أَن يسمع ذَلِك من الْعَرَب، أَلا ترى أَنَّك تَقول: " مَرَرْت بريد، وَلَا يجوز أَن تَقول: مَرَرْت زيدا، وَكَذَلِكَ كَانَ الْقيَاس فِي جَمِيع ظروف الْمَكَان أَن يتَعَدَّى الْفِعْل إِلَيْهَا بِحرف الْجَرّ، كَقَوْلِك: قُمْت فِي الدَّار، وَقمت فِي خَلفك، إِلَّا أَن الظروف المبهمة يجوز حذف حرف الْجَرّ مِنْهَا، لِأَنَّهَا قد أشبهت ظروف الزَّمَان، وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ لَهَا خلق، كَمَا أَن الزَّمَان لَا خلقَة لَهُ، يباين بَعْضهَا بَعْضًا، وَكَذَلِكَ الْخلف والقدام، وَمَا أشبه ذَلِك من هَذِه الظروف المبهمة، يجوز أَن تنْقَلب كلهَا، فَيصير الْخلف قداما، والقدام خلفا، أَلا ترى أَن الْجِهَة الَّتِي هِيَ خلف - إِن تقدمها الشَّخْص - صَارَت قداما لَهُ، وَكَذَلِكَ (٤٩ / ب) حكم القدام لَهُ، فَلَمَّا كَانَت هَذِه الظروف شَبيهَة بظروف الزَّمَان عدوا الْفِعْل إِلَيْهَا من غير توَسط حرف الْجَرّ، وَمَعَ ذَلِك فَإِن هَذِه الظروف لَيْسَ يتَعَلَّق الْفِعْل بهَا إِلَّا على طَرِيق
1 / 367