علل النحو
محقق
محمود جاسم محمد الدرويش
الناشر
مكتبة الرشد
الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩م
مكان النشر
الرياض / السعودية
تصانيف
النحو والصرف
فَإِنَّمَا اختير النصب فِي الأول بإضمار (كَانَ) لِكَثْرَة دورها فِي الْكَلَام، لِأَنَّهَا عبارَة عَن جَمِيع الْأَفْعَال، أَلا ترى أَنَّك تَقول: قَامَ زيد، فَيَقُول الْقَائِل: قد كَانَ ذَلِك، فَلهَذَا وَجب أَن تضمر (كَانَ)، وَإِنَّمَا كَانَ إضمارها مَعَ اسْمهَا أولى من إضمارها مَعَ خَبَرهَا، لِأَن الْخَبَر مُتَمَكن من الِاسْم، وَالِاسْم مُتَمَكن فِي الْفِعْل، فَهُوَ مَعَه كالشيء الْوَاحِد، فَصَارَ إضمارها مَعَ اسْمهَا أولى من إضمارها مَعَ خَبَرهَا، وَكلما خف الْإِضْمَار كَانَ أولى من كثرته، وَإِنَّمَا لم نقدر (كَانَ) بِمَعْنى (وَقع وَحدث) - وَإِن كَانَ جَائِزا - لِأَن (كَانَ) الَّتِي بِمَعْنى (وَقع وَحدث) فعل حَقِيقِيّ بِمَنْزِلَة: ذهب وَضرب، وَلَيْسَ ككثرة (كَانَ) الَّتِي للعبارة عَن الْجمل، فَلهَذَا كَانَ الِاخْتِيَار فِي الأول النصب.
فَأَما الَّذِي بعد الْفَاء فَإِنَّمَا اختير فِيهِ الرّفْع، لِأَن الْفَاء (٤٧ / أ) الَّتِي تقع جَوَابا للجزاء إِنَّمَا تدخل ليليها الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، وَإِنَّمَا وَجب ذَلِك، لِأَن جَوَاب الْجَزَاء إِذا كَانَ فعلا لم يحْتَج إِلَى الْفَاء، لِأَن (إِن) تعْمل فِيهِ، فَإِذا كَانَ خَبرا ومبتدأ لم يجز، لِأَن (إِن) تعْمل فِي الْأَسْمَاء، فَلَو جِئْنَا بالمبتدإ وَالْخَبَر، فَجعلنَا جَوَابا للشّرط، لم يعلم تعلقه بِهِ، لِأَن الْجمل قَائِمَة بِنَفسِهَا، فاحتاجوا إِلَى حرف يعلق الْجُمْلَة بِالشّرطِ، فَأتوا بِالْفَاءِ، فقد بَان بِمَا ذَكرْنَاهُ أَن الْفَاء تطلب الِاسْم، فَوَجَبَ أَن يضمر بعْدهَا الْمُبْتَدَأ، فَيصير خَبرا لَهُ، فَلهَذَا اختير الرّفْع فِي الثَّانِي.
وَأما الْوَجْه الثَّانِي: فَإِنَّهُ صَار أقرب إِلَى الأول، لِأَنَّك تضمر أَيْضا بعد (إِن) فعلا، فَأَنت مُخَيّر إِن شِئْت كَانَت (كَانَ) الَّتِي بِمَعْنى (وَقع)، وَإِن شِئْت أضمرت (كَانَ) الَّتِي هِيَ عبارَة فِي خَبَرهَا.
وَالْوَجْه الثَّالِث: أَضْعَف من هَذَا، لِأَنَّك تضمر بعد الْفَاء شَيْئَيْنِ، وَهُوَ الْفِعْل والمبتدأ، وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قدرت الْكَلَام على شَيْء يَجِيء مُؤَخرا، لم يكن بُد للفاء من مبتدإ، لما
1 / 354