96

تلطف في السؤال فقال : ( أرني ) فأري في الغير وتعجب عزير عليه السلام في القدرة ؛ ألا ترى أنه ختم قصته بالإيمان ( أعلم أن الله على كل شيء قدير )، وختم قصة الخليل عليه السلام بالعزة والحكمة فقال : ( واعلم أن الله عزيز حكيم )؛ لأن الخليل عليه السلام سأل إظهار الحكمة ومشاهدة العزة ، وعزير عليه السلام تعجب من القدرة ، فأجيب كل من حيث سأل.

وقوله تعالى : ( أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) يجوز أن الله تعالى امتحن الخليل عليه السلام بأنواع البلايا في ظاهره وباطنه ، أما ما في ظاهره ؛ فهو الذي أخبر الله تعالى في كتابه أنه ألقى في النار وعذبه بأيدي الكفار ، وأيضا ابتلاه بذبح الولد وما أشبهه.

وأما الذي في باطنه فهو ما أخبر الله من اضطراب قلبه في تحصيل إدراك محض الربوبية ، وكان يقول : هذا ربى مرة ، ويقول : ( أرني ) مرة ؛ لأنه كان يطلب من خاطره إثبات محض اليقين ، فأخبر الله تعالى عن جميع امتحانه مع خليله عليه السلام في آية من كتابه قال : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن )، ومقصود الحق سبحانه وتعالى في ذلك أن بديع بواطن أنبيائه وأوليائه بخطرات نفوسهم حتى يحترقوا بفقدان الحبيب وتتقدس عن شوائب البشرية وإلقاء الشيطانية ، وأكثر ابتلاء الخواص هكذا كإبراهيم عليه السلام وموسى عليه السلام وعزير عليه السلام ، محمد صلى الله عليه وسلم .

وذكر الله تعالى أحوالهم جميعا في كتابه ، أما لموسى عليه السلام ما روي عنه أنه كان يقول في مناجاته : «أي رب ، من متى أنت!».

وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك )، وقال عليه السلام : «إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في كل يوم سبعين مرة» (1).

هكذا ابتلاء خواص الأنبياء والأولياء لا بأس ؛ لأن الرب رب والعبد عبد ، وأيضا اسأل الخليل عليه السلام مشاهدة الحق في لباس الخلق ، وأيضا أراد في سؤاله زيادة المعرفة في وسائط الآية لا من الاضطراب في الشك والتهمة.

وأيضا قال : ( أرني ) حقيقة بطنان الألوهية والربوبية ، وهذا من الخليل عليه السلام غاية استغراقه في الاشتياق وغوصه في سر حبيبه وأوصاف قدرته ؛ لأن المحب أراد أن يحيط بحقيقة ذات المحبوب من جميع الوجوه وذلك من شرط الاتحاد.

صفحة ١٠٦