93

من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين (258))

قوله تعالى : ( قد تبين الرشد من الغي ) تبين ما استتر عن الكون في الكون في علم الأزل من السعادة والشقاء ، فظهرت سمة السعادة والشقاوة من المقبولين والمطرودين ؛ لأن في جباه السعداء مصابيح أنوار المعرفة تلوح ، وفي جباه الأشقياء كدورات ظلمات الغي تبوح.

( فمن يكفر بالطاغوت ) الطاغوت رؤية الطاعات ، والطمع في المكافآت ، فمن يكفر بها فهو من أهل المشاهدات ، والطاغوت يقع على كل شيء سوى الله تعالى من الدنيا والنفس والشيطان. وقيل : طاغوت كل امرئ نفسه.

قال الشيخ أبو عبد الرحمن رحمه الله : من لم يتبرأ من الكلي لا يصح له الإيمان بالله.

( ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) أي : من أقبل من نفسه وحوله وقوته إلى خالقه فقد وجده بنعت الحفظ والكلاية ، ( بالعروة الوثقى ) هي ذات الحق سبحانه وجل عن التشبيه ، وأيضا هي المحبة والمشاهدة ، وأيضا هي العصمة القديمة التي سبقت بنعت العناية الأزلية لأهل المعرفة.

وقيل : ( بالعروة الوثقى ) التوفيق في السبق والسعادة في الختم.

وقيل : ( بالعروة الوثقى ) محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : لا إله إلا الله. وقيل : هي السنة.

( لا انفصام لها ) (1) ترجيه من الله لأهل المعرفة ، أي من تمسك بحبلي فاز في الدارين ، وسعد في المنزلين ، ولا يدخل في حجال عصمته خلل الحوادث ؛ لأنه في كنف العناية محروسا بالكفاية ، ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ) لوجدهم من ظلمات العدم إلى كشف أنوار القدم ، وأيضا يخرجهم من ظلمات الامتحان إلى مشاهدة البيان ، وأيضا يخرجهم من ظلمات العبودية إلى جمال الربوبية ، وأيضا يخرجهم من الفرح بما وجدوا من المقامات والدرجات إلى نور مشاهدة الذات والصفات ، وأيضا يقدسهم ويخرجهم من ظلمات البشرية بمياه الشفقة لنور الأبدية ، وأيضا يزيلهم عن أوصافهم المحدثة ويقربهم إلى بساط الجزية ، ويلبسهم صفات الأزلية وسناء الصمدية.

وقال ابن عطاء : يغنيهم عن صفاتهم بصفته ، فيندرج صفاتهم تحت صفاته ، كما

صفحة ١٠٣