نفوسكم حيث أوقفكم ، واشتغلوا بالعبودية عن الربوبية ؛ لأن في غيرة الحق إشارات تمنع أولياء الله عن السير في قربة الحق ، وذلك بأن القلوب إذا مرضت وسقمت عن الجهد في طلب الحقيقة ، وسكنت بحظوظ البشرية ، فأثابها الله بالإحصار في وطنات الطبيعة.
( الحج أشهر معلومات ) (1) بين الله تعالى مواقيت العبادة لئلا يسأموا عباده عن خدمته ، ويقعوا بفتورهم في مقته ، وأيضا حتى يسكن أهل المعرفة عن أثقال العبودية في بسطهم برؤية الربوبية ، وانتقالهم بمشاهدة الرحمن عن زحمة الامتحان ، ووقت الحق لأهل خالصة في سلوكهم ، وإتيانهم لبساط القربة أحانين الصفاء والوفاء والطمأنينة واليقين ، وجمع لهم ليعرفوا أن القصد لا يتهيأ إلى بساطه إلا في هذه الأوقات المعلومة.
قال النصر آبادي : وقت الله العبادات بأوقات ليتأهب للعبد لها قبل أوانها بأدائه الطهارة ، ولم يوقت المعرفة لئلا يتخلى العبد عن مراقبة المشاهدة بحال.
( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) أي : اجتنبوا على الالتفات إلى غيري في استقبالكم إلي فإني زادكم في جميع الأحوال ، ولا تحتاجون أحدا سواي ، وأيضا إذا أردتم أن تقطعوا أقفار الديمومية وفلوات الأزلية ، فتزودوا على مراكب القلوب نور الأنانية لأرواح العاشقة في سير النيوب ، وخافوا عن فقدي ، فإن خير الزاد في طلب وصلي الافتقار إلي مخافة فقدان قربى ، ( واتقون يا أولي الألباب )؛ لأنكم أهل الخصوص بأنوار العقول فمن يعقلني بنعت العظمة لا تسكن روعته في دار امتحاني.
وقيل : ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) هو خطاب للخاص ؛ لأنه لا زاد للعارف سوى معروفة ، ولا للمحب سوى محبوبه.
وأنشدوا :
إذا نحن أدلجنا فأنت أمامنا
كفي بمطايانا بلقياك هاديا
( واتقون يا أولي الألباب ) قال الواسطي : عاقبهم لأنه أحبهم.
وقيل : أقبلوا علي يا أصحاب الفهوم السليمة ، وأعقلوا عني.
وقال أيضا : هم من الخصوص ، ولم تجعل للعموم فيهم طريقا.
صفحة ٨١