270

عرائس البيان في حقائق القرآن

تصانيف

خاطره بقوله : ( إني بريء مما تشركون ) بعد قوله : ( هذا ربي ) [الأنعام : 77] ، حين انكشف في عينه جمال الجبروت الأول مقام الإيقان ، والآخر مقام العرفان وطريق تسليم نفسه لله في محل الامتحان بنعت سلامة القلب عما دون الرب ، قال تعالى : ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) [الشعراء : 89].

وزاد في وصفه بقوله : ( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ) [البقرة : 131] امتحن تسليمه بذبح الولد ، فمرر السكين على حلقه سبعين مرة ، وامتحن بنفسه بإلقائه في النار ، فعرض عليه جبريل عليه السلام المعاونة ، فقال : «ألك لي حاجة؟ فقال : أما إليك فلا» (1).

وبين سبحانه إذا كان الخليل بهذه الصفة في عبوديته وعرفان ربوبيته اتخذه ، كان في الأزل خليل الله بلا علة ولا تهمة ، اصطفاه بالخلة في الأزل ، ولو كانت خلته بعوض ما كان فضلا ؛ لأن اصطفائيته بالخلة وصف الأزل ، والأزل قديم قبل وجود الحوادث ، حيث أقبلت صفته تعالى وهى المحبة إلى الذات ، وأقبل الذات إلى الصفة ، وتجلى الذات للصفات ، ثم تجلى الذات والصفات للفعل ، وتجلى الفعل إلى القدم ، فظهر الخليل بوصف الخليل ، ويرى الخليل الخليل بعين الجليل ، فصار خليلا للجليل ، ولذلك قال تعالى : ( واتخذ الله إبراهيم خليلا )، وهذا الذي بعينه للحبيب ، والحبيب أفضل من الخليل ؛ لأن المحبة لب الخلة ، ثم صرح بالإشارة أن المحسن الراضي إذا تابع الحبيب والخليل فيما ذكرنا صار حبيب الله وخليل الله.

قال بعضهم في هذه الآية : أي من أحسن حالا ممن رضي بمجاري الأقدار عليه في العسر واليسر ، وأسلم قلبه إلى ربه ، وأخلص وجهه له وهو محسن ، أي : متبع لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم .

وقال أبو بكر : من ظاهر واتبع ملة إبراهيم عليه السلام حنيفا ، أي : يخرج من الكونين إقبالا منه على الحق.

وقال الواسطي : حنيفا أي : مطهرا من أدناس الكون ، خالصا للحق مما يبدو له وعليه.

قال ابن عطاء : اتخذه خليلا ، ولم نخالك سرائره شيئا غيره ، فذلك حقيقة الخلة.

وأنشد :

قد تخللت مسلك الروح مني

وبذا سمي الخليل خليلا

قال الحسين : اتخذه خليلا ، ولا صنع لإبراهيم عليه السلام فيه ، وذلك موضع المنة ، ثم أثنى

صفحة ٢٨٠