242

عرائس البيان في حقائق القرآن

تصانيف

وأراد تعالى بذلك أنهم محاسبون به في جميع الأنفاس ، فإن بقوا في ذلك لمحة عاقبهم الله بذلك الحجاب ، وهذا إذا كانوا غافلين عن تلك الخطرات ، أما إذا استدركوها بعد جريانها ولم يغفلوا عنها برد الخاطر ورد وسوسة العدو بذكر الله ونشر صفاته والتفكر في آلائه ونعمائه بفسح قلوبهم بأنوار ذكره حتى تداركوها بالخجل ورؤية تقصيرهم بالمراقبة والحضور ، فبعد ذلك تنتشر أسرار الألوهية وأنوار الربوبية في صدورهم ، قال تعالى : ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ) [الزمر : 22] ، فبتلك الأنوار والأسرار عمروا طرق المعارف والكواشف.

قال بعضهم في الآية : أن يطالع سره شيء سوى الله.

وقال بعضهم : إن رؤية العمل ورؤية النفس وطلب المدح عليه كلها من أنواع الشرك الذي أخبر الله أنه لا يغفره ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن ربه : «من عمل عملا أشرك فيه غيري ، فأنا منه بريء» (1).

قال الأستاذ : العوام طولبوا بترك الشرك الجلي ، والخواص طولبوا بترك الشرك الخفي.

قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ) شكا سبحانه عن أهل الدعاوى الباطلة ، الذين يراءون الناس ، ولا يذكرون الله ، سمعوا كلام الأولياء ، وباعوا على سوق السالوسيين ، وأضافوا حقائق الصديقين إلى أنفسهم ، وأشاروا إلى مقام الرياضات والمجاهدات بغير علم ، ولم يشموا رائحة الصدق ، ومع هذه العيوب يرون أنفسهم عنها ، فرد الله عليهم بقوله : ( يزكي من يشاء ) أي : يلبس أنوار تنزيهه أولياءه وأصفياءه ، فيقدسهم به عن كل سوء ، وعن كل خاطر غير سبيل الحق.

قال بعضهم : ليست الأنفس بمحل التزكية ، فمن استحسن من نفسه شيئا ، فقد أسقط من باطنه أنوار اليقين.

قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ) وبخ الله تعالى أهل ظاهر العلم ، الذين اختاروا الرئاسة ، وأنكروا على أهل الولاية ، وآثروا صحبة المخالفين ، يقبلون هواجس نفوسهم التي هي الجبت ، ويخطون آثار الطاغوت التي هي إبليس.

قال سهل بن عبد الله : رأس الطواغيت نفسك الأمارة بالسوء إذا خلا العبد معها عن العصمة.

صفحة ٢٥٢