( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما (32) ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا (33))
قوله تعالى : ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) التمني هاهنا وصف النفس الأمارة التي رأت الأشياء بعين الجهل ، وقصورها عن حقائق المقادير الأزلية التي سبقت في الجمهور على قدر مراد الله والاستعداد ، وذلك التمني وهمها على غير قصد الحق من رؤية هواها ، ولو كان طلب القلب سني المقامات من الحق سبحانه بنعت التواضع وصدق الافتقار لكان مما يوجب البلوغ إليه ، وذلك قوله : ( وسئلوا الله من فضله ).
وأيضا : زجرا للضعفاء عن جمال أحكام المجاهدات ، ومقام أهل المشاهدات.
وقال بعضهم : لا تتمنوا منازل السادات والأكابر أن تبلغوها ، ولم تهذبوا أنفسكم في ابتداء إرادتكم برياضات السنن ، ولا إسراركم بالتطهير عن الهمم الفاسدة ، ولا قلوبكم عن الاشتغال بالفانية ، فإن الله قد فضل بهذه الأحوال أولئك ، فلا تقربوا إلى الدرجات الأعلى ، وقد ضيقتم الحقوق الأدنى.
قال أبو العباس ابن عطاء : لا تتمنوا ؛ فإنكم لا تدرون ما تحت تمنيكم ، فإن تحت أنوار نعمه نيران محنه ، وتحت نيران محنه أنوار نعمه.
قال الواسطي في هذه الآية : إن تمنى ما قدر له ، فقد أساء الظن بالحق ، وإن تمنى ما لم يقدر له ، فقد أساء الثناء على الله بأن ينقص قسمته من أجل تمني عبده.
قوله تعالى : ( وسئلوا الله من فضله ) أمر بالسؤال ، ونهى عن التمني ؛ لأن السؤال افتقار ، والتمني اختبار ، والسؤال استرداد النعمة ، والتمني الاقتحام في المحنة.
وعرف تعالى طلابه عظم فسحة سرادق كبريائه وجلاله ووسع عطايا أزليته أي : أنتم يا دنيات الهمم لا تنظروا إلى فقيرات الفيض ، فإني واسع الفضل والعطاء ، لو أعطي ألف جنان في طرفة عين إلى عبد واحد لم ينقص من ملكي ذرة ، أين وقعتم من رؤية جلال قدمي وبحار منني ، انظروا مني إلي ، واسألوا زيادة فضلي ، فإني وهاب كريم.
وافهم أن للسؤال مقامات ، ولتلك المقامات آداب ينبغي أن يعرفها العبد ، فإن من ترك السؤال في مقام الانبساط ، وسأل في مقام الهيبة استعمل سوء الأدب ، ويسقط من عين الله.
ووبخ الله سبحانه بهذه الآية أهل دناءة الهمة ، والمقصرين في طلب مشاهدته ؛ حيث
صفحة ٢٤٢