بغية الملتمس في سباعيات حديث الإمام مالك بن أنس
محقق
حمدي عبد المجيد السلفي
الناشر
عالم الكتب
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٠٥ هـ - ١٩٨٥ م
مكان النشر
بيروت
تصانيف
الحديث
لِقُصُورِ الْهِمَمِ وَفُتُورِهَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ الإِشَارَةُ إِلَى هَذَا.
وَالَّذِي نَزِيدُهُ هَاهُنَا أَنْ نَقُولَ: أَهْلُ الْحَدِيثِ الْمُتَّصِفُونَ بِهِ الَّذِي «الَّذِينَ» نُسِبُوا إِلَيْهِ عَلَى ثَلاثِ دَرَجَاتٍ: فَأَوَّلُهَا، وَهِيَ أَدْنَاهَا: مَرْتَبَةُ الاشْتِغَالِ بِجَمْعِهِ وَكِتَابَتِهِ وَسَمَاعِهِ وَتَطْرِيقِهِ، وَطَلَبِ الْعُلُوِّ فِيهِ، وَالرِّحْلَةِ فِي ذَلِكَ، فَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا إِنْ قُصِدَ بِهِ التَّوَاصُلُ إِلَى مَا بَعْدِهِ، وَلَمْ يُوقَفْ عِنْدَ هَذَا الْحَدِّ، فَهُوَ أَمْرٌ مُهِمٌّ، لأَنَّ الْمُكْثِرَ مِنْ ذَلِكَ يَصِيرُ لَهُ مَلَكَةٌ فِي الأَسَانِيدِ، وَمَا هُوَ مُتَّصِلٌ مِنْهَا أَوْ مُنْقَطِعٌ، فَيَرْتَقِي بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ.
وَأَمَّا مَنْ وَقَفَ عِنْدَهَا فَهُوَ مُشْتَغِلٌ عَمَّا هُوَ الأَهَمُّ مِنْ عُلُومِهِ النَّافِعَةِ، فَضْلا عَنِ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ الأَصْلِيُّ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ جَعْفَرٌ السَّرَّاجُ فِي هَذَا الْمَعْنَى:
إِذَا كُنْتُمُ تَكْتُبُونَ الْحَدِيثَ ... لَيْلا وَفِي صُبْحِكُمْ تَسْمَعُونَا
وَأَفْنَيْتُمُ فِيهِ أَعْمَارَكُمْ ... فَأَيُّ زَمَانٍ بِهِ تَعْمَلُونَا
لَكِنَّ هَذَا لا بَأْسَ بِهِ لِلْبَطَّالِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ بَقَاءِ سِلْسِلَةِ الإِسْنَادِ الَّتِي اخْتَصَّتْ بِهَا هَذِهِ الأُمَّةُ الْمَرْحُومَةُ.
وَمِمَّا يُزَهِّدُ مَنْ كَانَ لَهُ لُبٌّ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ مُشَارَكَةِ الصَّغِيرِ فِيهَا لِلْكَبِيرِ وَالْقِدَمِ لِلِقَائِهِمْ، وَالْجَاهِلِ لِلْعَالِمِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ الْبَسْطِ فِيهِ.
وَالدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: دَرَجَةُ حِفْظِ الأَسَانِيدِ وَمَعْرِفَةِ الصَّحِيحِ مِنْهَا وَالضَّعِيفِ وَتَمَيُّزِ الثِّقَةِ مِنْ رِجَالِهَا مِنَ الْمَجْرُوحِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَنْوَاعُ
1 / 218