واعلم هداك الله أن التقوى والإحسان والإسلام والإصلاح من أوصاف الإيمان ومعانيه ، التي يؤمن العبد بها نفسه من سخط الله وعقابه ، إذا أتى مع ذلك بجميع ما فرض الله عليه ، فيكون قد آمن نفسه ، ألا تسمع إلى قول الحكيم العليم :?قالت الإعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم? الآية فأعلمهم أنهم لم يكن منهم ما يستوجب إيمان أنفسهم ، ولكن كان منهم التسليم وإظهار قبول الحق الذي لا ينفع في الآخرة وينفع في الدنيا إذا قارنه معصية لله كبيرة وقد يكون العبد متقيا لله في بعض الأمور ومسلما وبرا ومحسنا ، ويكون مع ذلك غير متوق شيئا آخر ، ولا بر ولا محسن في غير ما أحسن فيه ، فيجوز أن يسمى فيما اتقى وأسلم وأحسن باسم ما فعل ويكون ذلك نافعا له مع إصراره على معاصي الله ولا يكون مستحقا اسم الإيمان الممدوح أهله الموجب رضوان الله ؛ لأنه قد كان منه مع تقواه وبره في إحسانه ما لم يؤمن به نفسه من سخط الله ووعيده ، ولم يكن منه تقوى لله ولا بر ولا إحسان فيه ولا يكون متقيا لله غير متق له, ولا مسخطا لله غير مسخط له ، ولا محسنا عند الله غير محسن عنده ، مستوجبا للجنة وغير مستوجب لها ومستوجبا للنار وغير مستوجب لها في حال واحدة.
وقد يجوز أن يقال لهؤلاء جميعا : إنهم متقون ومحسنون ومقرون ومؤمنون فيما كان منهم من تقوى وإقرار وإحسان ، تقوى وإقرارا وإحسانا لا ينفعهم ، مع ما قارنه من كبائر معاصيهم لله المحبطة كل عمل صالح إذا أصر عليها فاعلها ولو لم يكن في هذا إلا شهادة الله بنص كتابه أن المؤمن لا يستوي هو والفاسق لكفى وأغنى ، وذلك قوله جل ذكره :?أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون? وقوله:?وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون? ونحن نفسر معنى الآية في باب الشرك إن شاء الله.
صفحة ١٨