بدء الإسلام وشرائع الدين للواب بن سلام
بدء الإسلام وشرائع الدين
العلامة المؤرخ لواب بن سلام
الفهرس
كلمة
مقدمة
تابع المقدمة: مضمون النص
تابع المقدمة: وحدة النص
تابع المقدمة (المؤلف )
تابع المقدمة (المخطوط )
تابع المقدمة ( التحقيق )
تابع المقدمة ( ملحق في استشهادات الشماخي المنقولة عن كتاب ابن سلام )
غلاف الكتاب
كتاب فيه بدء الإسلام وشرائع الدين
تأليف
الشيخ لواب بن سلام المزاتي الإباضي
المتوفي بعد سنة 273ه / 887م
تحقيق
الشيخ سالم بن يعقوب وفيرنر شفارتس
كلمة
ينشر هذا السفر للمؤرخ الإباضي ابن سلام بعد مرور أكثر من عشرين سنة على اكتشاف مخطوطته.
ومن الأمانة العلمية أن يقال إن الفضل في ظهور النص محققا بالصورة التي هو عليها، لا يرجع للمحققين فقط. فقد ساهم في إنجاح المشروع عدد من الأصدقاء المختصين والمهتمين بالتراث الإسلامي.
فقد وضع الشيخ العلامة ناصر بن محمد المرموري نسخته الخاصة من " رسالة أبي عيسى الخرساني " في متناول المحققين، الأمر الذي سهل عملية تحقيق الرسالة وجعل عملية إعادة بناء النص ممكنة. كما أسهمت جهود الأستاذ محمود بن يعقوب، الذي ناب عن والده في مراسلة المحقق الألماني، في تعميق الصلة بين المحققين وتقريب الشقة بينهما ( بون - جربة ) وتقريب وجهات النظر أيضا. وقد أسهمت إشارات الزملاء والزميلات، الدكتور محمد محمد البشاري، الدكتور علاء الدين حلمي، السيدة كارمن بولك، والسيدة زابينة شوب، في إضاءة بعض مشكلات النص، وتجنيبه بعض العثرات. أما الصديق خليل الشيخ فقد أخذ على عاتقه إعادة صياغة المقدمة طبقا لمقتضيات الأسلوب العربي.
صفحة ١
ولكن نشر هذا النص لم يكن ممكنا لولا موافقة الأستاذين، الأستاذ الدكتور اسطفان فيلد، والأستاذ الدكتور جرنوت روثر، اللذين يصدران " النشرات الإسلامية "، على قبول الكتاب ضمن السلسلة المذكورة. وينبغي أن ينوه المحققان هنا بالجهود الكبيرة التي بذلها الأستاذ الدكتور روثر المدير السابق للمعهد الألماني للدراسات الشرقية في بيروت والأستاذ الدكتور أنطوان هاينن المدير الحالي ومساعدوهما. فقد رعوا عملية طبع الكتاب رغم الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان. أما الدكتور فولف ديتر لمكه الباحث في المعهد والأستاذ محمد الحجيري المحقق في المعهد نفسه، فقد أشرفا على عملية طبع الكتاب في مطبعة " دار صادر " التي تولت طبع الكتاب وإخراجه على نحو فني رفيع.
لهؤلاء جميعا يقدم المحققان خالص الشكر والامتنان.
الشيخ سالم بن يعقوب، فيرنر شفارتس
مقدمة
يرجع الفضل في ذكر أول نبأ عن أقدم مؤلف إباضي لتأريخ المغرب، إلى المؤرخ الإباضي الكبير أبي العباس أحمد بن سعيد الشماخي ( ت: 928ه / 1522م ). فقد ذكر في كتابه المسمى بكتاب السير (1) عدة روايات مأخوذة من " كتاب ابن سلام "؛ تتناول تلك الروايات تأريخ الدعوة الإباضية (2) في شمال إفريقيا ومن خلالها عرفنا أيضا أن ابن سلام عاش في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري. وأول من أشار من الباحثين المعاصرين إلى أهمية ابن سلام كأقدم مؤرخي الإباضية هو العالم البولندي تاديوش لفيتسكي الذي لم يعرف إلا تلك الشواهد في سير الشماخي (3).
صفحة ٢
وفيما عدا ذلك فإن كتاب ابن سلام كان يعد من المفقودات حتى تم اكتشاف مخطوط سنة 1964م، يحتوي على نص الكتاب أو على الأقل على معظمه. وقد اكتشفه العالم الشيخ سالم بن يعقوب الجربي، في إطار بحثه الموسع عن التراث الإباضي، وكان ذلك في مكتبة البعطور في حومة والغ الواقعة في جزيرة جربة بتونس. وقد مهد الشيخ سالم بن يعقوب لنشر هذا الكتاب، كما اشترك في بعض التحقيقات المتعلقة به. وقد وجد المخطوط اهتماما كبيرا من علماء الإباضية المعاصرين ومنهم؛ الدكتور الشيخ عمرو خليفة النامي الذي نشر وصفا موجزا للمخطوط لعامة المهتمين (4).
وحسب ما نعرفه عن التراث العربي المحفوظ إلى يومنا هذا فلا يعتبر كتاب ابن سلام أقدم ما كتب عن التأريخ عند الإباضية المغربية فحسب بل هو أقدم مؤلف تاريخي للمغرب الإسلامي بأسره (5).
وعلاوة على ذلك فإن قيمة هذا الكتاب تتمثل في أنه يعتبر من المحاولات الأولى لغير العرب، أو بالأحرى لسكان البلاد الأصليين، لوصف أسس الحياة الدينية وللتعريف بتاريخ الإسلام في إطار هذا الدين الجديد وعبر اللغة العربية. لذلك فإن هذا التصنيف من أهم الشواهد على استيعاب البربر للحضارة العربية الإسلامية. وليس هناك أدنى شك في أن ذلك المخطوط يستحق التحقيق العلمي نظرا لأهمية مضمونه ولقدمه فقد كتب بعد عام 273ه / 886- 887م.
صفحة ٣
وبالرغم من ذلك ففي أول لحظة يظهر لنا اختلاف بين بعض فصول النص، وصورة غير مكتملة لجزء كبير منها. فيتكون لدينا الانطباع بأن ما بين أيدينا ليس بكتاب متماسك بل هو مجموعة نصوص ناقصة لا يمت النص الواحد للآخر بصلة، وقد جمعت في المخطوط. لذلك لن نسلك في هذه المقدمة الطريقة العادية مبتدئين بسرد حياة المؤلف، ووصف المخطوط. بل سنتحدث أولا عن مضمون النص، والوحدات التي يتألف منها، لنثبت من خلاله وحدة هذا الكتاب كتصنيف متصل قبل الحديث عن صاحبه. وليس من أهدافنا هنا أن نستفيد من هذا النص لنكتب بحثا مفصلا في ما يحتوي عليه من الأخبار التاريخية، والتوجيهات العقائدية (6). ولكننا نريد أن نعطي القارئ صورة عابرة عن مضمونه، وبنائه، ليكون ذلك حجة نحتج بها في إثبات فرضنا أن النص كله من تصنيف مؤلف واحد.
------------------------------------
(1) - طبعة حجرية بالقاهرة 1301ه / 1883م. عن استشهادات الشماخي المنقولة عن كتاب ابن سلام. انظر الملحق ص54- 56.
(2) - عن تعاليم الإباضية وتاريخها راجع فهرس المراجع وخصوصا المقالات العلمية والبحوث لتاديوش لفيتسكي ولعمرو خليفة النامي. أما في ما يتعلق بفهم الإباضية المعاصرة لتأريخها وللدين الإسلامي فراجع مؤلفات علي يحيى معمر ومحمد علي دبوز.
(3) - انظر مقال لفيتسكي في سير الشماخي ( 1934، ص73 )، وكذلك بحثه في المؤرخين الإباضيين الوهبيين ( 1961، ص106- 107 ).
(4) - أنظر بحثه في المخطوطات الإباضية الحديثة الاكتشاف ( 1970، ص83 ). وقد اطلعنا على النص لأول مرة سنة 1979 في نسخة مصورة له عند الشيخ المرحوم علي يحيى معمر ( طرابلس الغرب ).
(5) - قد سمى حسن حسني عبد الوهاب هذا المؤلف الإباضي " ابن سلام " ووصفه بأنه " أقدم المؤرخين الإفريقيين " ( ورقات، قسم 1 ص80 ).
(6) - فكتاب ابن سلام من أهم النصوص التي اعتمدنا عليها في رسالتنا في تأريخ الإباضية في المغرب الإسلامي.
صفحة ٤
مضمون النص يتألف النص في صورته الحالية من أربعة أجزاء رئيسية ذات حجم مختلف وتقع في تتابع مضبوط حسب محتوياتها:
1- في الثلث الأول من المخطوط ( الفقرة 2 إلى 8 ) (1) يأتي التعريف بأسس العقيدة الإسلامية، وما يميز المؤمنين الحقيقيين عن غيرهم. كما يشار إلى مجموعة من الصحابة الذين اتخذت حياتهم كمثل أعلى. وفي هذا المضمار يرد الكثير من الأحاديث النبوية التي تسند لكل من عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، والحسن البصري. وهؤلاء هم المرجع في بعض المسائل الهامة للعقيدة أيضا. وقد فسرت آيات قرآنية عديدة لتشكل أساسا ودليلا لأقوال هامة ظهرت في النص وذكرت إلى جانب ذلك تفسيرات مختلفة لمفسرين آخرين.
2- ويلي ذلك في الفقرتين 9 و10 عرض " لشرائع الدين " التي تنظم الحياة الدينية للفرد، ويشرح الكاتب ما يتعلق بالتصرفات الأخلاقية شرحا مستقيضا. ثم تعرض قواعد دينية تنظم حياة المجتمع الإسلامي، ويأتي هنا التعريف بالفئات المختلفة من المحدثين ومن أهل الكتاب. ويتبع ذلك ذكر الخصال التي يجب توافرها في " إمام المسلمين " والقاضي، والمفتي، وثم الشروط التي تفرض مقاومة الحاكم الجائر ( الفقرة 11 إلى 13 ).
3- في الجزء الثالث نجد إبراز جور الخلفاء الأمويين والعباسيين وفسقهم. يأتي هذا كمقدمة لإلقاء نظرة على فجر الإسلام ( الفقرة 14 ): إن تقييم الإباضية لبعض الأحداث الحاسمة التي مرت بها الأمة الإسلامية يظهر من خلال ذكر تنظيم عمر بن الخطاب لنظام الاستخلاف من بعده، وذكر فترة ولاية عثمان بن عفان وأيضا ذكر دور قريش في قيادة الأمة ( الفقرة 15- 16 ).
صفحة ٥
4- ثم يأتي ذكر علماء المذهب الإباضي، وفقهائه، وزعمائه، بالمشرق وبمصر ( الفقرة 17 إلى 18 ). ويلي ذلك أخبار تأريخية هامة بخصوص إمامين من أئمة الإباضية سبقا عبد الرحمن بن رستم الفارسي مؤسس دولة تاهرت وهما: أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري، وأبو حاتم يعقوب بن حبيب الملزوزي ( الفقرة 19 ). وتتخلل هذه الأخبار أحاديث تعبر عن " فضائل البربر " ( ص121- 125 و131 ) وتقطع العرض التأريخي. ثم ترد " تسمية فقهاء أصحابنا " في مدينة القيروان وما حولها وفي مدينة طرابلس ( الفقرة 20 )، وبعدها " رسالة أبي عيسى الخرساني " إلى إخوانه المغاربة في عهد الإمامين عبد الوهاب وابنه أفلح ( الفقرة 21 )، وبه ينتهي ما لدينا من كتاب ابن سلام.
وما سبق من وصف عام لمحتويات النص يثبت وجود ما يشبه خطة عامة وشاملة من الممكن أن يكون المؤلف قد تبعها: وتهدف لإعطاء القارئ صورة واضحة، وحقيقة عن نشأة الإسلام وشرائعه، ووصف القواعد الأساسية التي تنظم حياة الفرد والمجتمع. ولا بد في هذا المجال أن يعرف المسلم ما هي الأسس والأصول لتلك المبادئ الدينية الحقة لكي يحفظها سالمة من التحريف والبدع. ولذلك يجب على المؤلف أن يعرف القارئ المؤمن بسلسلة أهم رواة الدين الذين حافظوا على تعاليمه وساروا على صراطه المستقيم، منتهيا بالمعاصرين الذين يمكن أن يقتدي بهم المؤمنون في جميع المسائل التي تعترضهم في حياتهم. والخلاصة، فإن نتيجة عرض التباين بين سيرة المسلمين الحقيقيين، وبين الذين ينتحلون الإسلام قولا مع انحرافهم عنه عملا ليست إلا عرضا لتأريخ الدعوة الإسلامية، أعني تأريخ الإباضية.
-------------------------------------
(1) - تظهر بعض فصول النص من خلال استعمال المداد الأحمر وأشرنا إليها بتقسيم النص إلى فقرات لكل واحدة منها رقمها، وعدا ذلك حددنا الفقرات حسب مضمونها كما سنشير إليه بالتفصيل
صفحة ٦
وحدة النص ولتحقيق مثل هذه الخطة الشاملة المذكورة في تصنيف كتابه ينبغي أن يلاحظ بأنه لم يتوفر لأي كاتب مغربي في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري إلا كتب تعنى ببعض فروع الأدب العربي، ليصنف على مثالها عددا من أجزاء كتابه؛ مع العلم بأنه لم يوجد ثمة كتاب اتبع صاحبه خطة كخطة المؤلف، كما لم يكن في إمكان مؤلف من الإباضيين أن يبحث عن نموذج أدبي خارج إطار الحضارة الإسلامية. ومن بين التصانيف الإسلامية فلم يجز له أن يستفيد إلا من كتب الإباضية نفسها أو من الكتب التي كان أهل هذه الدعوة يعترفون بصحة أقوالها دينيا. وإذا ابتدأنا الآن بمناقشة مشكلة وحدة النص فينبغي علينا أن ننتبه إلى الشروط السائدة في شمال إفريقيا آنذاك.
فلنلق هنا السؤال الأساسي عند الحديث عن النص الوارد في المخطوط: هل بين أيدينا مصنف ذو طابع واحد، كتبه مؤلف واحد أم مجموعة من التصانيف لعدة مؤلفين؟ فلربما يكون هناك شك في وحدة النص - بصرف النظر عن أن المخطوط وصلنا دون عنوان أو خاتمة - لأن المضمون يبدو غير كامل في بعض الفقرات، كما أن الأسلوب الكتابي يعكس مستويات مختلفة.
في النصف الأول من النص قبل بداية رسالة الإمام الرستمي عبد الوهاب ( ص93 )، يمكننا أن نلاحظ أن هناك تصنيفا منتظما يسير على منوال واحد بالرغم من بعض التكرار وعدم الاستمرار في مراعاة تنسيق التفسير الخاص بمسائل العقيدة. ولكن يليه افتتاحية الرسالة المذكورة التي تتطابق حرفيا مع " شرائع الدين " الواردة في الفقرات السابقة بالتفسيرات والتعليقات عليها ( ص86- 92 ) (1). وبالإضافة إلى ذلك فهناك تكرار آخر ملحوظ ( ص116 ) في ذكر " الأمصار " و" البلدان " التي دخلتها الإباضية بالرغم من أن الصفحة السابقة مباشرة تذكر فيها كل هذه البلدان.
صفحة ٧
وإذا كانت رسالة الإمام عبد الوهاب قد جاءت متناسقة مع سياق النص، إلا أنه قدم لها بالبسملة وبعنوان، كما لو كانت فصلا مستقلا عما يرد في المخطوط من النصوص الأخرى. كذلك قدم لرسالة الفقيه أبي عيسى الخرساني بالبسملة وبعنوان خاص، ولكن ليس للرسالة أية علاقة بالفقرة السابقة لها التي تتضمن سردا لأسماء عدة فقهاء مغاربة ( ص132- 135 ). وهذا السرد ليست له أيضا علاقة بالأخبار التأريخية السابقة له. كما نجد مجموعة من الأحاديث في " فضائل البربر " بلا تناسب واضح لما يحيط بها من أخبار ولاية الإمام أبي الخطاب المعافري.
أما فيما يتعلق بالأسلوب اللغوي فإنه ليس على مستوى واحد في جميع أجزاء الكتاب. فمن الفقرة 2 حتى الفقرة 16، استخدمت أساليب مختلفة تبعا لمضموناتها بلغة واضحة وسلسة عموما. ويسري هذا القول أيضا على مجموعتين من الأحاديث تخص أولاها جابر بن زيد الأزدي الفقيه التابعي المشهور، وثانيها تركز على " فضائل البربر ". كما يسري بعد ذلك على رسالة أبي عيسى الخرساني. ويختلف عن هذا ما يظهر أحيانا في الفقرة 17 حتى الفقرة 20 من أسلوب متعثر ولغة ركيكة.
صفحة ٨
وبذلك تنتهي أهم الإشارات التي ترجح أنه تم جمع نصوص مستقلة من تصانيف عدة مؤلفين في مخطوطنا والتي تستبعد وجود مؤلف واحد أو جامع واحد قد وضع كتابه حسب خطته الشاملة. ولكن في اعتقادنا أن الأمر على غير ذلك، ونحن نفترض أن النص الذي بين أيدينا قد كتبه وجمعه مؤلف واحد ولكنه لم ينقحه نهائيا. وهو يعتبر من المصنفات المنتشرة خصوصا في التآليف التأريخية العربية. وهي تتميز بجمع أجزاء الكتاب من مصادر مختلفة بحيث يرتبها الجامع حسب رغبته في بناء كتابه، ويعيد تنسيق صياغتها الأسلوبية. وأحيانا يضيف الجامع إلى ذلك تعليقاته وتقييماته فتكون الإضافات من تأليفه الشخصي (2). فإن ما أمامنا يماثل هذه الكتب التأريخية ولكنه نقل إلينا قبل الانتهاء من ترتيبه وتنقيحه كما أن مضمونه يتجاوز مجال التأريخ.
فالظاهر أن نسخة من هذا التصنيف الذي يبدو لنا في بعض أجزائه كأنه مسودة الكتاب وجدت في زمن غير معلوم في يدي من اعتبرته مهما وممتعا للأجيال المقبلة، فقام بنسخه معتبرا أن النص كله كتاب واحد متواصل. ويدل على ذلك استخدامه خطا متساويا واضحا، وإبراز فصول النص بكتابة عناوينه الجانبية أو بعض تعابيره بالمداد الأحمر. وقد تكون مقدمة النص من تأليفه، ولمحاولة إعطاء القارئ عبرها فكرة عن محتويات الكتاب بأسره ( الفقرة 1 ). وهذه المقدمة القصيرة تنتهي بقوله أنه من " تأليف بعض أصحابنا المتقدمين ". ونفهم من خلال ذلك أن المؤلف كان مجهولا وقتئذ.
--------------------------------------
(1)- نشير إليه في الحواشي.
(2) - راجع مقالة البرشت نوط في أقدم المجموعات العربية لأخبار تأريخ الخلفاء ( 1971، ص168- 199 )، وبحثه النقدي عن الروايات التأريخية الإسلامية القديمة ( 1973، ج1، ص12 الخ ).
صفحة ٩
أما الشماخي فقد استقى من هذا الكتاب جل الأخبار التأريخية التي تتعلق بأئمة الإباضية بالمغرب. وعلى أساس ذكره المستمر لابن سلام كمصدر له، نستطيع أن نقول أن الشماخي كان يعتبر الثلث الأخير من نصنا راجعا لهذا المؤلف (1) ( الفقرات 17 إلى 20 ).
ومن أهم الدلائل التي تؤيد نظريتنا القائلة بوحدة هذا النص غير المنقح تلك التي تستند إلى عدة أوصاف شكلية نجدها في مواضع عديدة من فقرات النص المختلفة كما تستند إلى محتوياته. فلم نكتشف في أي من أجزاء النص خبرا أو لفظا يجب أن يعد من زمن بعد وفاة ابن سلام ( ت بعد 273ه / 886- 887م ). ومن خلال ما يأتي تناوله من عقائد وتأريخ بدا لنا بوضوح شيء من الخطة العامة لهذا التصنيف، ولا يناقض هذه الخطة ما يرد في أي فقرة من الفقرات غير المنتظمة الأفكار والمنقطعة بعضها عن بعض. وبالرغم مما تقدم من وصف هذه الخطة العامة التي نعتقد أنها تمثل ما استهدف المؤلف إليه في تصنيف الكتاب، فنود إعادة الحديث عنها مرة أخرى لأهميتها في إثبات فرضنا المذكور. ولن تتكرر الإشارة إليها في وصف بناء النص المفصل إلا بالإيجاز:
صفحة ١٠
يتضح أن هدف الكاتب هو عرض ما رآه مهما من تعاليم الإسلام، ونشأته وكذلك وصف المؤمنين الحقيقيين في تطبيقهم لأوامر الله بادئا بمحمد النبي حتى العصر الذي عاش فيه الكاتب. وأراد توضيح أسس العقيدة كما جاءت عند نزول الوحي بها والتعريف بمن نقلها من الصحابة الثقات. " إذا قيل لك ما شرائع دينك ومن الفقهاء...؟ "، يأتي هذا السؤال على رأس الفقرة الثالثة وهو أحد الأمثلة العديدة التي يعبر الكاتب بها عن أن معرفة أحكام الدين وحدها ليست بكافية عند الجدال مع المخالفين إن لم يعرف المؤمن أيضا أسس الدين ونشأته وعمن نقلت شرائعه. كما يجب معرفة هؤلاء المسلمين الذين سلكوا الصراط المستقيم واتبعوا تعاليم الدين الصحيحة ولقنوها من خلفهم دون تحريف. وعلى المؤمن أن يعرف أئمة المسلمين وزعماءهم في عصره لكي يتجه إليهم ويهتدي بهم. وعليه أن يعرف من هم الأسانيد الذين يعتمد عليهم هؤلاء الأئمة والفقهاء في تعاليمهم وتوجيهاتهم. وبذلك يستطيع الفرد تجنب وسوسة " ذوي الجهل " الذين من شأنهم تضليل " ضعفاء العقل " ( ص116 ). وبه ينبغي وضع حد بين المؤمنين الحقيقيين وبين الذين يعصون الله في قولهم وعملهم. مثل هذه الأفكار تأتي عبارة عن أسباب تأليف الكتاب وعن خطة عامة للمؤلف اتبعها كمنهج لعمله.
فما هي الأوصاف الشكلية التي تدل على أن فقرات النص التي يختلف عن بعضها البعض اختلافا كبيرا في بعض الأحيان تعود إلى مؤلف واحد؟ يظهر شيء من الخطة المذكورة في تكرر عبارة " نروي عنهم ديننا " (2). وتعني هذه الكلمات كلا من النبي، والصحابة، والتابعين، والفقهاء، والعلماء، الذين تلقوا الدين الإسلامي وحافظوا عليه. ويتكرر لفظ " ديننا " إشارة إلى الإسلام عند ذكر مبادئه الهامة وكبار رواته في أقوال من أمثالها " ديننا دين الله ورسوله " أو " ديننا دين الجماعة من أصحاب النبي " (3).
-------------------------------------
(1)- قارن الملحق ص53- 55.
( 2)- انظر ص61، 108، 116.
صفحة ١١
(3) - انظر ص61، 69، 72، 73، 74، 75، 78، 79، 95.
يرجح أن صيغة " ما جاء في " أو " ما جاء في الأثر من " تعود إلى المؤلف نفسه وهو يستعملها في بداية فقرة جديدة أو في العناوين الجانبية (1). كما ترد هذه الصيغة في العنوان الجانبي الأول: " باب ما جاء في تفسير الإيمان... " ( ص59 ). فكلمة " تفسير " الواردة في هذا العنوان نجدها في عناوين أخرى: " باب ما جاء في الأثر من تفسير دين الله الذي هو دين الجماعة " ( ص84 ) و" تفسير شرائع الدين والولاية عليه والبراءة " ( ص86 ) و" تفسير المخالفين لدين الجماعة من الملوك... " ( ص98 ).
فالثلث الأخير للنص والخاص بأخبار المذهب الإباضي دون أدنى شك من تأليف ابن سلام، فقد ذكر نفسه كجامع الملاحظات وذكر جده وأباه، وأشار أيضا إلى الذين تلقى عنهم معلومات معينة وفي بعض الأحيان ذكر السنة والموضع الذي لقيهم فيه. يتكرر في هذا الثلث من النص استعمال كلمة " تسمية " في عناوين الفقرات 17 إلى 20 أو في جملها الافتتاحية (2).
ويوجد في ثلثي النص الأولين ما يثبت الأصل المغربي للمؤلف أو لجامع فقراته: شرح في ( ص79 ) كلمتين عربيتين بمثيلتيهما البربريتين. وفي ( ص84 ) وبعد تفسير " دعوة الجاهلية " استنادا فيه إلى حديثين أولهما منسوب إلى عمر بن الخطاب وثانيهما إلى عمرو بن العاص ألحق بالفقرة حديثا آخر عن أبي الخطاب الذي قاد إباضية طرابلس في ثورتهم على الحكم العباسي. وفي ( ص93 ) كتب هذا العنوان: " هذه شريعة رسالة كتب بها عبد الوهاب بن عبد الرحمن إمام تاهرت إلى أهل طرابلس ". ونضيف إلى جملة ما يدل على كون المؤلف إباضيا مغربيا ما يأتي في أواخر الثلث الثاني للنص من عد الأقطار التي ظهرت الإباضية فيها ( ص106 ).
صفحة ١٢
هذا وإذا قمنا بمحاولة تحليل الأسلوب اللغوي لتلك الفقرات التي من الثابت أن ابن سلام صاغها بنفسه (3). وإذا حاولنا على أساس هذا التحليل تمييز ما في الفقرات الأخرى من أجزاء صاغها ابن سلام، نلاحظ أن ما استطعنا التوصل إليه من نتائج لا يدل على تأليف ابن سلام للكتاب دلالة قاطعة. وسبب ذلك أن عددا من الفقرات التي لا يشك في تأليفه لها لم يقم هو بتنقيحها نهائيا، ولم يرتبها حسب تسلسل الأخبار الزمني.
ومقابل ذلك نجد في أجزاء النص التي لم تأت فيها أية إشارة إلى ابن سلام فقرات ذات أسلوب متكامل ومضمون منظم. وعلى ذلك فلن توصلنا هذه الطريقة إلى هدفنا وهو إثبات كون النص كله - وليس الثلث الأخير فقط - من تصنيف ابن سلام كما أشرنا إلى ذلك في الحديث عن الخطة العامة وعن الأوصاف الشكلية للنص.
لهذا سنتناول الآن هيكل الكتاب وبناءه بالتفصيل. ومن أجل أن يتمكن القارئ من الاطلاع على النص بصورة جلية شاملة أضفنا إلى الأصل ترقيم الفقرات التي تظهر كوحدات مستقلة على أساس محتوياتها وأوصافها الشكلية. فهذا التقسيم العام الذي قمنا به يعتمد أيضا على تقسيم مفصل يظهر من خلال استعمال المداد الأحمر في كتابة المخطوط. فتقسيم النص ربما يكون تسهيلا في محاولة تحديد الفصول التي نقلت عن مصادر شفوية أو مدونة.
صفحة ١٣
أما شكل بعض الفقرات ومضمونها فيدل على أنها نقلت عن مؤلفات في مجالات أخرى كعلوم التفسير والحديث والتراجم والتأريخ، أو أنها ألفت على منوالها. لكن ما قلناه على عن وجود خطة شاملة للكتاب يتطلب أن يكون المؤلف قد تجاوز التقليد والاقتداء بذلك المثل الأدبي المختص لإحدى المجالات المذكورة، وأن يكون قد توصل إلى تركيب أوصافه المعينة في بناء كتابه. ومع ذلك فيبدو أن المؤلف لم يجد ما يعتمد عليه لسد احتياجاته إلا في مؤلفات تدخل في مجالي التفسير والحديث. ويبدو من خلال بعض فصول النص تشابه، دون تبعية مباشرة بالمجموعات الإباضية القديمة للأحاديث (4). أما في مجال التفسير فلم نكتشف بعد أي مصدر إباضي يمكن أن يكون لفصول نصنا المعنية تشابه ملحوظ به (5).
أما ما يتعلق بتأريخ صدر الإسلام في فصول النص فيقتصر على ذكر مبادئ وأقوال لبعض الصحابة والتابعين بخصوص العقيدة والشريعة، وذكر الأحداث الحاسمة دون الاهتمام بالتأريخ بالذات. ويسري هذا أيضا على سرد أسماء الصحابة والتابعين الذين يعدون من أسلاف الإباضيين الذين نهجوا سيرة النبي، كما يسري بعد ذلك على سرد أسماء أهم زعماء الإباضية في أول تأريخها بالعراق. ولا يكاد يظهر تشابه في ذكر السلف الصالح بكتب التراجم والطبقات.
--------------------------------
(1) - انظر ص59، 72، 73، 74، 75، 121، 125.
(2) - انظر ص108، 116، 117، 132.
(3)- هي معظم ما تنضم عليه الفقرات 17 إلى 20.
(4) - نشير في الحواشي إلى عدة أحاديث وردت في المجموعة التي هي الوحيدة التي قد طبعت المعروفة بمسند الربيع بن حبيب البصري ( القرن الثاني للهجرة ) وهذا المسند في شكله الحلي يقع في ترتيب مغربي يعود إلى القرن السادس ه / الثاني عشر م.
صفحة ١٤
( 5) - لم يصل إلينا تفسير عبد الرحمن بن رستم ولا نجد له شواهد في الكتب الإباضية المختصة ( راجع لفيتسكي 1961، ص11- 12 ). أما تفسير أبي الحواري العماني فلا يظهر ما يدل على أن ابن سلام اطلع على كتابه، وقد عاش أبو الحواري في عصره وحتى أوائل القرن الرابع ه / العاشر م.
ولا يبدأ التأليف التأريخي في معناه الحقيقي حتى في الفقرات الخاصة بتأريخ الإباضية المغربية. وهو يأتي في شكل سرد الأخبار المنفردة أو الملاحظات القصيرة أو ذكر أعلام الناس. ويسري هذا الوصف على ذكر الكاتب للمعاصرين له أو لأبيه بالحجاز وبمصر. وواضح تماما من خلال اطلاعنا على تلك الفقرات التي تمتاز بأهمية كبرى عند البحث في تأريخ أصحاب هذا المذهب في طرابلس وإفريقية أن الكاتب لم يستند هنا إلى أي مصدر مدون من كتب التأريخ والتراجم، بل نقل جميع المعلومات عن مخبريه أو ذكر ما شاهده شخصيا.
وفي مسألة النقل الشفوي للأحاديث الواردة في الكتاب والمرفوعة إلى النبي والصحابة والتابعين فيرجح أنها منقولة عن مصادر مدونة في معظم الأحوال. وقد ذكر المؤلف في موضع واحد ( ص72 ) كتابا أخذ عنه حديثا معينا وهو " كتاب الرد على الروافض " لعبد الله بن يزيد الفزاري (1). وعدا ذلك لم يحاول الكاتب أن يعطينا إسنادا كاملا لأي من الأحاديث. ولا يزيد الأسماء المذكورة ضمن الأسانيد على اسمين إلا نادرا، وسلسلة الرواة متصلة دائما بمن حضر الحادث أو شاهد القول الوارد في متن الحديث. وفي المرة الوحيدة التي يذكر فيها اسم الشخص الذي روى عنه المؤلف لا يذكر بعد هذا الاسم إسنادا يدل على كيفية الرواية ( ص131 ).
صفحة ١٥
فمن المحتمل أن ترجع تلك الأحاديث والمأثورات المنسوبة للمسلمين الأولين إلى مصادر مدونة، ووجدناها مدمجة في الفقرات التي نعتبرها منقولة هي بذاتها عن المدونات. فهناك أحاديث أخرى وهي طويلة إلى حد يصعب أن تكون منقولة شفويا (2). والذي يؤيد فرضنا بأن ابن سلام نقل الأحاديث في الغالب من مصادر مدونة هو ما نتوصل إليه إذا قارناها بالأخبار الشفوية التي ضمها إلى كتابه في مواضع أخرى بطريقة غير منظمة، والتي تعطينا الانطباع بأن الأسلوب اللغوي المستعمل متعثر وركيك أحيانا (3).
وفي العرض التالي لفقرات النص سنشير إلى الظواهر والأوصاف التي تتميز بها كل فقرة عن الأخرى، كما نشير إلى مكانها في إطار الخطة الشاملة للنص. وعند ذلك تكون النسبة إلى ما سبق من المناقشات العامة واضحة في معظم الأحوال (4).
الفقرة 1 ( ص59 ). نجد في أول الكتاب ما نعتبره كلمة الناسخ التي توضح محتوى النص (5).
الفقرة 2 ( ص59- 61 ). يبتدئ النص الذي هو من تأليف ابن سلام بعنوان جانبي ويتبعه حديث نبوي مطول في مبادئ الدين ويرجح أنه قد نقل عن مصدر مدون.
صفحة ١٦
الفقرة 3 ( ص61- 69 ). ترد هنا خمسة أسئلة يبتدئ كل واحد منها بصيغة " إذا قيل لك ما... " ولا نجد نظيرها في غير هذه الفقرة. وتأتي نصوص قرآنية عديدة مع تفسيراتها شرحا لما تتناوله هذه الأسئلة. وبعد ذكر الألفاظ القرآنية تتكرر أحيانا كلمة " قال " افتتاحا للتفسيرات وربما تستعاض بهذه العبارة عن كلمة " أي " أو " يعني " في بعض المرات. ولكننا لا نستبعد أنه يشار بعبارة " قال " إلى مفسر لم يذكر اسمه. وذكر " مفسرين " آخرين دون ذكر أسمائهم على اختلاف أقوالهم في ثلاثة مواضع من الفقرة ( ص64، 67، 68 ). ويأتي اسم " الحسن " ثلاث مرات ومن المحتمل أنه يعني الحسن البصري. وذكر الحسن هذا حديثا عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب استنادا إليه في قوله . وفي موضعين تسبق أقوال الحسن كلمة " قال " دون ذكر الفاعل: " قال: وكان الحسن يقول... ". وأن هذه الفقرة لها خصائص تدعنا نرجح كونها من تصنيف واحد فلا نستبعد أنها اقتبست عن كتاب آخر دون إجراء تغيير فيها (6).
الفقرة 4 ( ص70- 76 ). وتحتوي هذه الفقرة على روايات عن فضائل ستة من أصحاب الرسول. وباستثناء أولهم وهو أبو بكر فيأتي قبل اسم كل صحابي هذه الكلمات: " ما جاء في الأثر من فضل... " ويأتي بعد اسمه ونسبه صيغة " ديننا دين... " في بداية الروايات التالية، على حسب المثال: " ديننا دين عمر بن الخطاب ". ويوجد ما يدل على أن هذه الروايات ربما جمعها ابن سلام نفسه ورتبها وفقا لما رآه ترتيبا مناسبا. ومن تلك الأدلة ورود صيغة " ما جاء في " (7) المكررة في الكتاب، كما نرى ذلك في وصفه للمكان الذي يقع فيه ضريحا أبي بكر وعمر بن الخطاب في المدينة المنورة ( ص73 ) تشابها بأسلوب وصفه لأمكنة أخرى في غير هذه الفقرة (8).
صفحة ١٧
الفقرة 5 ( ص76- 78 ). وتأتي هذه الفقرة بغير عنوان ويشار إلى " المشاورة " التي أوجبها الله على نبيه وعلى المسلمين كافة. وذكرت عدة آيات قرآنية مع حديث للنبي، وقول لعمر بن الخطاب وهما يركزان على أن الإنسان لا يزال في حاجة إلى توفيق الله في ممارسته للشورى. واستخدام الآيات القرآنية هنا يشبه استخدامها في الفقرة 3. وانضم إلى الفقرة 5 ذكر تقسيم المسلمين إلى ثلاثة فئات كما يلاحظ أن الفئة التي تجمع " العقل " و" الرأي " و" المشاورة " هي الفئة المسلمة حقا.
الفقرة 6 ( ص78- 79 ). يبدو أن الكاتب يواصل هنا سرد الصحابة والتابعين الذين ابتدأ ذكرهم في الفقرة 4 ويكتفي الآن بذكر أسمائهم فقط.
هذا باستثناء أويس القرني الذي يأتي فيه حديث نبوي. وتعود صيغة " ديننا دين... " تقديما لاسم الصحابي الأول مرة واحدة فقط، ويقدم لأسماء الباقين بكلمة بسيطة: " ومنا... ".
صفحة ١٨
الفقرة 7 ( ص79- 84 ). يوضح في الجملة الافتتاحية أن الدين الحق هو ما كان عليه أصحاب النبي قبل " افتراق الأمة ". بعد حديث نبوي نجد إضافة عليه شرح كلمة " الربقة " الواردة في الحديث بكلمات بربرية. وفي حديث آخر يأمر النبي المؤمنين بخمسة: " السمع والطاعة والجماعة والهجرة والجهاد "، وينذر " من دعا بدعوة الجاهلية " بعذاب النار ( ص80 ). فيأتي كل ما بعد هذا الحديث شرحا له، وينقسم إلى فصول مختلفة بأسئلة على هذا الشكل: " قلت: فما تفسير السمع والطاعة؟ قال... ". ولم يتضح من السائل ومن المجيب. ويكون أن شكل الحوار قد استخدم شكلا أدبيا دون أن يكون هناك حوار في الحقيقة. وتدعيما للكلام ذكر عدد من الآيات القرآنية والأحاديث الكثيرة. وقبل نهاية الفقرة والتي تنتهي بحديث عن عمر بن الخطاب وبين الكلام عن " دعوة الجاهلية " يأتي بعد رواية عن عمرو بن العاص خبر عن الإمام الإباضي المغربي أبي الخطاب وهو يتناسب مع مضمون الفصل. ومن ناحية اللغة فإن أسلوب هذا الخبر ليس رهينا كبقية الأحاديث. ومن المحتمل أن الكاتب أضاف هذا الخبر إلى الفقرة 7 التي تبدو عدا عن ذلك كأنها وحدة منفردة بين وحدات النص الأخرى.
الفقرة 8 ( ص84- 85 ). تقتصر هذه الفقرة على إيضاح أن الله قد أوحى إلى رسوله دينا كاملا، والارتكاز على تفسيرات وأحاديث لعبد الله بن عباس ولغيره. ويشار إلى " مفسر " دون ذكر اسمه.
الفقرة 9 ( ص86- 92 ). تظهر هذه الفقرة كأنها وحدة تحد ذاتها عند مقارنتها بالفقرة 10، وهي المقدمة لرسالة الإمام الرستمي عبد الوهاب التي يرد فيها سرد " شرائع الدين ". وترد كل هذه الشرائع ذاتها حرفيا في الفقرة 9 مع إضافات موضحة (9).
والتعليق على البعض منها موسع ويستند إلى آيات قرآنية وإلى أحاديث مختلفة. أما التطابق الواضح بين الفقرتين 9 و10 فيوجد له تفسيران متناقضان:
صفحة ١٩
أولا: أن الكاتب كانت بين أيديه رسالة عبد الوهاب ورأى مقدمتها جديرة بأن تشرح وتوضح باستفاضة فقام بنقل حرفي لألفاظ شرائعها وعلق عليها. وبعد أن فرغ من ذلك العمل، ضم إلى كتابه نص مقدمة الرسالة بالرغم من أنه لا يأتي بجديد فيها. وكان من الطبيعي أن تأخذ الرسالة مكانها قبل التعليق عليها. لكننا نلاحظ مثل هذا الخلط في تسلسل عناصر الكتاب في مواضع أخرى، ونستطيع أن نرى سببه في أن الكتاب ليس في شكله النهائي. هذا ولا يزال السؤال مطروحا لماذا لم يأت ذكر لرسالة عبد الوهاب في أي من فصول الفقرة 9، والتي يبدو أن مضمونها متكامل وأسلوبها ذو مستوى واحد؟
ثانيا: هناك مصدر مشترك نقل عنه كل من كاتب الفقرة 9 والإمام عبد الوهاب " شرائع الدين " في تسلسلها الأصلي دون أن يعتمد أحدهما على الآخر. وربما نقل كاتب الفقرة 9 عن ذلك المصدر المشترك ما يزيد على الشرائع من تعاليق وشروح. فإن افترضنا ذلك نستطيع أن نفهم لماذا تظهر شريعتان في الفقرة 9 لم نجدها في الفقرة 10، وهذا راجع لإهمال عبد الوهاب إياها: " حسن الصحبة للنساء " و" الطلاق بالسنة ".
لا يمكننا الحسم بصحة هذا التفسير أو ذلك بالرغم من أن ثانيهما يبدو أكثر قبولا. وإن ثبت الشرح الثاني، فنستنتج منه أن ابن سلام ضم رسالة عبد الوهاب إلى الكتاب لما رأى من موافقتها ما جاء في الفقرة 9، دون أن يكون للرسالة مكان في إطار شروح الشرائع. ونلاحظ نظيره في الفقرات السابقة التي ترد فيها آيات قرآنية وأحاديث أضيفت أحيانا إلى بعض الأقوال مكررة لمضمونه، ودون أن تأتي فيها إفادة جديدة بالنسبة إلى ما يتناوله الفصل من مبادئ العقيدة أو الشريعة. والمراد منه أن تدعم تلك الآيات والأحاديث ما سبقها من أقوال بتكرار الإفادة المعينة واستنادا في ذلك إلى القرآن أو إلى مكانة من ذكر في الأحاديث من نبي أو صحابي أو تابعي. أما هنا فالاستناد إلى الإمام عبد الوهاب.
صفحة ٢٠