بوخنفالد . انطلقنا في طريق جميل بين صفوف من الأشجار الكثيفة العالية، وأشجار الزان الرشيقة الملساء ذات الرءوس المدببة. دار الطريق عدة مرات وحاولت أن أتمثل شعور المعتقلين الذين كانوا يعبرونه كل يوم ذاهبين إلى المعتقل بلا عودة، وشعور ضباط المعتقل الذين كانوا يقطعونه في الموتوسيكلات الشهيرة ذات المقاعد الجانبية.
عبرنا مدخل المعسكر المحاط بالأسلاك الشائكة. ومررنا أسفل لافتة تحمل هذا الشعار الساخر: «لكل ما يستحق».
استقبلنا مرشد شاب يحمل شارة الحزب الدقيقة في ياقة سترته. واجهنا معطيا ظهره للمعسكر وقال: أقيم هذا المعسكر في عام 1937م، ليضم معارضي
النازي ، ويجري تحطيمهم معنويا بالمعاملة الوحشية. تعرض 18 مليون فرد هنا للتعذيب. آلاف من الألمان والبولنديين. ولم يعد 11 مليونا منهم إلى الحرية؛ إذ ضربوا حتى الموت، ثم أحرقوا في أفران الغاز.
أشار إلى الطريق الممتد وسط المعسكر، وقال: السجناء أطلقوا على هذا الطريق «شارع الدماء».
تقدمنا إلى ساحة واسعة، كان يجري بها تعداد المساجين والنداء عليهم، وكانوا يجبرون على الوقوف ساعات كل صباح ومساء من أجل ذلك تحت الثلج والمطر. وغالبا ما كان البعض يسقطون موتى أثناء الانتظار الذي يستمر أحيانا 18 ساعة. ولا ينتهي الأمر عند ذلك؛ إذ يقادون إلى المحجر لتصفيتهم، فيرغمون على السير وسط صفين من الحراس الذين يضربونهم بالهراوات أو يطلقون عليهم الرصاص، ثم يعملون حفاة في تكسير الأحجار ونقلها، تماما كما حدث للشيوعيين في معتقل
أبي زعبل
شرق القاهرة منذ سنوات قليلة.
فكرت: ترى، هل أشرف خبراء ألمان على ذلك أم تفتقت عنه عبقرية رجال
جمال عبد الناصر
صفحة غير معروفة