البيان الصريح والبرهان الصحيح في مسألة التحسين والتقبيح
تصانيف
وثالثها: أن مذهب أهل السنة أنه يجوز من الله أن يعفو عن العقاب على ترك الواجب، وإذا كان كذلك كانت ماهية الوجوب حاصلة مع عدم العقاب، فلم يبق إلا أن ما هية الواجب إنما تقرر بسبب حصول الخوف من العقاب، وهذا الخوف الحاصل بمحض العقل، فثبت أن ما هية الوجوب إنما تحصل بسبب هذا الخوف، وثبت أن هذا الخوف حاصل بمجرد العقل، فلزم أن يقال: الوجوب حاصل بمجرد العقل، فإن قالوا: ما هية الوجوب إنما تقرر بسبب حصول الذم.
قلنا: إنه تعالى إذا عفا قد سقط الذم، فعلى هذا ماهية الوجوب إنما تقرر لسبب حصول الخوف من الذم، وذلك حاصل بمحض العقل، فثبت بهذه الوجوه أن الوجوب العقلي لا يمكن دفعه. انتهى.
فصل
قالوا: ولو سلمنا أن الحسن والقبح عقليا لم نسلم في مسألتين:
الأولى: وجوب شكر المنعم.
الثانية: مسألة حكم الأشياء قبل ورود الشرع فلا يدرك العقل فيهما بخصوصهما جهة حسن أو قبح.
أما المسألة الأولى: وهي مسألة شكر المنعم فلما عرفوه أنها ضرورة جلية، وفي القول بها إبطال مذهبهم أرادوا تحذير أتباعهم، ومن رجع إلى فطرة العقل منهم على أن يعتمد على ما يدركه بعقله أو يرجع إلى ما تقضي فطرته {يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروه}.
قلنا: قد شهد الله عليهم بأنهم يعرفون نعمة الله ثم ينكروها وأكثرهم الكافرون، ويقال لهم: كيف تنكرون أن الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا يعلمون شيئا وجعل لك السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون؟.
صفحة ١٠٣