بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية

محمد بن محمد بن مصطفى بن عثمان، أبو سعيد الخادمى الحنفي (المتوفى: 1156هـ) ت. 1156 هجري
37

بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية

الناشر

مطبعة الحلبي

رقم الإصدار

بدون طبعة

سنة النشر

١٣٤٨هـ

فَإِنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِ لَا يُهْتَدَى بِهِدَايَتِهِ وَلَوْ فُرِضَ الْعَمَلُ بِأَحْكَامِهِ بِلَا إيمَانٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَوْ عِنْدَ مَنْ قَالَ إنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالْفُرُوعِ ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَهُ هَادِيًا وَرَحْمَةً إنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ عَمِلَ بِهِ وَاسْتَمْسَكَ بِمَضْمُونِهِ فَمَنْ يَعْتَصِمُ بِهِ فَلَهُ رَحْمَةٌ وَبُشْرَى وَمِنْهَا آيَةُ الْإِسْرَاءِ ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: ٩] أَيْ يَهْدِي إلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي هِيَ أَصْوَبُ مِنْ نَحْوِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ عَلَى مَا فَسَّرُوا بِهِ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ الْإِيمَانَ بِاَللَّهِ مَثَلًا لَوْ أُخِذَ مِنْ الشَّرْعِ لَزِمَ الدَّوْرُ الْمَشْهُورُ إذْ الشَّرْعُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْعَقْلِ وَأَلَّا يَلْزَمَ الدَّوْرُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَسَائِلُ الِاعْتِقَادِيَّةُ بَعْدَ ثُبُوتِهَا بِالْعَقْلِ لَا بُدَّ مِنْ تَطْبِيقِهَا بِالشَّرْعِ وَإِلَّا لَا تَكُونُ مُعْتَدًّا بِهَا شَرْعًا وَمِنْهَا آيَةُ الْإِسْرَاءِ أَيْضًا ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ﴾ [الإسراء: ٨٢] أَيْ كُلُّ الْقُرْآنِ شِفَاءٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ لِلتَّبْيِينِ لِأَنَّ كُلَّهُ شِفَاءٌ مِنْ دَاءِ الْجَهْلِ وَمَرَضِ الشَّكِّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ كُلِّ دَاءٍ فَقِيلَ فَيُتَبَرَّكُ بِهِ لِدَفْعِ الْمَضَارِّ وَالْمَكَارِهِ. وَأُيِّدَ بِحَدِيثٍ ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ «مَنْ لَمْ يَسْتَشْفِ بِالْقُرْآنِ فَلَا شَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى» وَقِيلَ شِفَاءٌ لِلْأَمْرَاضِ الْبَاطِنَةِ مِنْ الِاعْتِقَادِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَمْرَاضِ الْحِسِّيَّةِ لِأَنَّهُ يُدْفَعُ بِقُرْآنِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَمْرَاضِ كَمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ وَمِنْ هُنَا قِيلَ لَفْظَةُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ عَلَى مَعْنَى بَعْضِ الْقُرْآنِ شِفَاءٌ لِلْمَرَضِ كَالْفَاتِحَةِ وَآيَاتِ الشِّفَاءِ ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ [الإسراء: ٨٢] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَطْفِ الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء: ٨٢] إذْ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ يَكُونُ عَذَابًا وَعُقُوبَةً لِعَدَمِ اعْتِصَامِهِمْ بِالْقُرْآنِ. وَقِيلَ عَنْ الْوَاحِدِيِّ أَيْ ثَوَابٌ لَا يَنْقَطِعُ بِتِلَاوَتِهِ ﴿وَلا يَزِيدُ﴾ [الإسراء: ٨٢] الْقُرْآنُ ﴿الظَّالِمِينَ﴾ [الإسراء: ٨٢] الْغَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿إِلا خَسَارًا﴾ [الإسراء: ٨٢] يَعْنِي يَزِيدُهُمْ خُسْرَانًا لِأَنَّهُ كُلَّمَا تَجَدَّدَ نُزُولُ الْقُرْآنِ أَوْ تَبْلِيغُهُ يَتَجَدَّدُ إنْكَارُهُمْ فَبِتَجَدُّدِ إنْكَارِهِمْ يَتَجَدَّدُ خُسْرَانُهُمْ وَمِنْهَا آيَةُ الْعَنْكَبُوتِ ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٥١] يَعْنِي أَيَطْلُبُونَ آيَةً عَلَى صِدْقِك وَلَمْ يَكْفِهِمْ قِيلَ عَنْ الْخَازِنِ هَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ قَبْلَهُ ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ [الرعد: ٢٧]- ﴿أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ [العنكبوت: ٥١] يَعْنِي الْقُرْآنَ مُعْجِزَةً كَافِيَةً فِي صِدْقِك عَلَى وَجْهٍ بَيِّنٍ لِدَوَامِهِ أَبَدًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْآيَاتِ أَوْ بِخِلَافِ آيَاتِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ [العنكبوت: ٥١] أَيْ الْكِتَابِ الَّذِي هُوَ آيَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ ﴿لَرَحْمَةً﴾ [العنكبوت: ٥١] عَظِيمَةٌ ﴿وَذِكْرَى﴾ [العنكبوت: ٥١] تَذْكِرَةٌ ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت: ٥١] لِمَنْ هَمُّهُ الْإِيمَانُ لَا التَّعَنُّتُ فَالْقُرْآنُ كَافٍ لِكُلِّ مَصَالِحَ فَالْعَمَلُ بِمَضْمُونِهِ وَالتَّمَسُّكُ بِمُوجِبِهِ فِي الْوَقَائِعِ وَالْأَحْوَالِ مُوجِبٌ لِنِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ الْجَنَّةِ وَالرُّؤْيَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ شَأْنُ الْمُؤْمِنِ. وَمِنْهَا فِي ص ﴿كِتَابٌ﴾ [ص: ٢٩] أَيْ هَذَا كِتَابٌ ﴿أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ [ص: ٢٩] خَيْرٌ كَثِيرٌ وَنَفْعٌ جَلِيلٌ لِمَنْ آمَنَ بِهِ لِأَنَّ مَوَاضِعَ الْقُرْآنِ بَعْضُهَا مُفَسِّرٌ لِلْبَعْضِ وَأَنَّ الْمُطْلَقَ فِي مِثْلِهِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَقَدْ عَرَفْت الْقَيْدَ فِي الْآيَاتِ وَإِلَّا يَلْزَمَ التَّعَارُضُ مَعَ أَنَّ مَضْمُونَهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِمُوَافِقٍ لِلْوَاقِعِ ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص: ٢٩] يَتَفَكَّرُوا آيَاتِهِ الْعَجِيبَةَ وَأَسْرَارَهُ الْغَرِيبَةَ اللَّطِيفَةَ وَقِيلَ بِاتِّبَاعِ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ [ص: ٢٩] ذَوُو الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ التَّدَبُّرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْعِ بِمَعْنَى لَوْلَا خِطَابُ الشَّارِعِ لَا يُدْرَكُ وَالتَّذَكُّرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يُمْكِنُ تَوَصُّلُهُ بِالْعَقْلِ كَذَاتِ الْبَارِي وَصِفَاتِهِ وَأَنْ يُجْعَلَ الْأَوَّلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى جِنْسِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي إلَى الْقِيَاسِ. وَمِنْهَا فِي الزُّمَرِ ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ [الزمر: ٢٣]

1 / 37