بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية
الناشر
مطبعة الحلبي
الإصدار
بدون طبعة
سنة النشر
١٣٤٨هـ
مناطق
•تركيا
الامبراطوريات
العثمانيون
دَرَجَاتٍ بِمَا جَمَعُوا مِنْ الْعِلْمِ، وَالْعَمَلِ فَإِنَّ الْعِلْمَ مَعَ عُلُوِّ دَرَجَتِهِ يَقْتَضِي الْعَمَلَ الْمَقْرُونَ بِهِ مَزِيدَ رِفْعَةٍ وَلِذَلِكَ يُقْتَدَى بِالْعَالِمِ فِي أَفْعَالِهِ وَلَا يُقْتَدَى بِغَيْرِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ» فِي الْبَيْضَاوِيِّ وَهَذِهِ أَيْضًا كَمَا تَرَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ الْمُتَبَادَرُ إلَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي نِسْبَةِ الْعِلْمِ مَعَ الْعَمَلِ، وَالْعَمَلِ الْمُجَرَّدِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ لَعَلَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ مُؤَوَّلَاتٌ أَوْ مُفَسَّرَاتٌ بِالْأَحَادِيثِ وَلِذَا أَوْرَدَ بَعْدَهَا الْأَخْبَارَ فَإِذَا اُعْتُبِرَتْ الدَّلَالَةُ بِحَسَبِ الْمَجْمُوعِ أَمْكَنَ حُصُولُ الْمَطْلُوبِ سِيَّمَا لَوْ جَعَلَ الْمَطْلُوبَ ظَنِّيًّا.
قَالَ فِي التتارخانية آثَرَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لِلْعُلَمَاءِ دَرَجَاتٌ فَوْقَ الْمُؤْمِنِينَ تِسْعُ مِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْن كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ الْآيَاتُ أَيْضًا عَلَى فَضْلِ الْعِلْمِ كَمَا فِي التتارخانية ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ﴾ [الأعراف: ٢٦] يَعْنِي الْعِلْمَ ﴿خَلَقَ الإِنْسَانَ﴾ [الرحمن: ٣] ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرحمن: ٤] ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ [القصص: ٨٠] . ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] .
رَدَّ حُكْمَهُ فِي الْوَقَائِعِ إلَى اسْتِنْبَاطِهِمْ فَالْحَقُّ رَتَّبَهُمْ بِرُتْبَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِي كَشْفِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٢٢] . وَالْمُرَادُ التَّعْلِيمُ، وَالْإِرْشَادُ ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [فصلت: ٣٣]- ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ﴾ [النحل: ١٢٥]- وَغَيْرُهَا (الْأَخْبَارُ) الدَّالَّةُ عَلَى فَضْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِهِ (دت) أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ (عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ وَهُوَ) يَوْمَئِذٍ (بِدِمَشْقَ) الشَّامِ.
(فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مَا أَقْدَمَك) مَا سَبَبُ قُدُومِك (يَا أَخِي قَالَ حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّك تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ) لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ (أَمَا جِئْت لِحَاجَةٍ) غَيْرِ هَذَا (قَالَ لَا قَالَ أَمَا قَدِمْت لِتِجَارَةٍ) السُّؤَالُ وَتَكْرِيرُهُ لِلِاسْتِعْظَامِ لِكَوْنِهِ خِلَافَ الْعَادَةِ فِي هَذِهِ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ أَوْ إعْلَامِ غَيْرِهِ فِي الْمَجْلِسِ إظْهَارًا لِشَرَفِ الْأَمْرِ، وَالْجَائِيّ (قَالَ لَا قَالَ) الرَّجُلُ (مَا جِئْت إلَّا فِي طَلَبِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ) أَبُو الدَّرْدَاءِ (فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا» مُدَّةَ سَفَرٍ أَوْ لَا وَلَوْ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَلَوْ خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ «يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا» نَكَّرَهُ لِيَشْمَلَ كُلَّ عِلْمٍ وَآلَتِهِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا أَيْ حَالَ كَوْنِهِ طَالِبًا فِي سُلُوكِهِ عِلْمًا شَرْعِيًّا قَصْدِيًّا أَوْ آلِيًّا كَمَا تَقَدَّمَ.
«سَلَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ» أَيْ بِذَلِكَ الْعَبْدِ «طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ»
1 / 280