بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية

محمد بن محمد بن مصطفى بن عثمان، أبو سعيد الخادمى الحنفي (المتوفى: 1156هـ) ت. 1156 هجري
120

بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية

الناشر

مطبعة الحلبي

رقم الإصدار

بدون طبعة

سنة النشر

١٣٤٨هـ

بَلْ جَعَلَهُ وَاسِعًا وَمِنْهَا فِي الْمَائِدَةِ أَيْضًا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٨٧] الطَّيِّبَاتُ اللَّذِيذَاتُ الَّتِي تَشْتَهِيهَا النُّفُوسُ وَتَمِيلُ إلَيْهَا الْقُلُوبُ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هُمْ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَزَمُوا أَنْ يَرْفُضُوا الدُّنْيَا وَيُحَرِّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ الْمَطَاعِمَ الطَّيِّبَةَ وَالْمَشَارِبَ اللَّذِيذَةَ وَأَنْ يَصُومُوا النَّهَارَ وَيَقُومُوا اللَّيْلَ وَيَخُصُّوا أَنْفُسَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ ﴿وَلا تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: ٨٧] لَا تُجَاوِزُوا الْحَلَالَ إلَى الْحَرَامِ وَقِيلَ بِالْإِسْرَافِ فِي الطَّيِّبَاتِ ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [المائدة: ٨٧] كَأَنَّهُ تَعْلِيلٌ إطْنَابِيٌّ وَمِنْهَا آيَةُ الْأَعْرَافِ ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾ [الأعراف: ٣٢] يَعْنِي قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ الَّذِينَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً مَنْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي خَلَقَهَا لِعِبَادِهِ أَنْ تَتَزَيَّنُوا بِهَا وَتَلْبَسُوهَا فِي الطَّوَافِ وَغَيْرِهِ وَخَصَّ بَعْضٌ الزِّينَةَ بِاللِّبَاسِ الَّذِي يَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ وَعَمَّمَهَا بَعْضُهُمْ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الزِّينَةِ فَلَوْلَا تَخْصِيصُ هَذَا الْعَامِّ مِنْ سَائِرِ النُّصُوصِ لَدَخَلَ تَحْتَهُ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْحُلِيِّ مِنْ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ. ﴿وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: ٣٢] فُسِّرَ الطَّيِّبُ هُنَا بِكُلِّ مَا يُسْتَلَذُّ وَيُشْتَهَى مِنْ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَلْبُوسَاتِ إلَّا مَا وَرَدَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ. قِيلَ فِي هَذَا دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى إبَاحَةِ نَحْوِ الْقَهْوَةِ وَالصَّنَمْ مِمَّا تَسْتَلِذُّ بِهِ بَعْضُ الطَّبَائِعِ وَتَجِدُ لَهُ نَفْعًا وَلَيْسَ بِمُسْكِرٍ وَلَيْسَ فِي حُرْمَتِهِ نَصُّ آيَةٍ وَحَدِيثٍ وَقِيَاسٍ وَقَدْ أَشَرْنَا قَبْلُ أَقُولُ وَقَدْ أَشَرْنَا أَيْضًا قَبْلُ كَرَاهَةِ رَدْ وَأَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ وَمَا تَقْتَضِيهِ الْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ وَالْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّةُ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَأَنْوَاعِ التَّجَمُّلَاتِ الْإِبَاحَةُ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ فِي مَنْ لِلْإِنْكَارِ انْتَهَى أَقُولُ تَقْيِيدُ الرِّزْقِ بِالطَّيِّبَاتِ لَيْسَ بِمُلَائِمٍ عَلَى إطْلَاقِ ذَلِكَ وَأَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَعَانِي الزِّينَةِ مَا يُنَافِي الْإِطْلَاقَ لِمَا ثَبَتَ حِلُّهُ شَرْعًا وَلَوْ سَلِمَ فَظَاهِرُ الصِّيغَةِ هُوَ الْعُمُومُ لَا التَّخْصِيصُ بِنَحْوِ مَا ذُكِرَ وَدَعْوَى انْحِصَارِ أَفْرَادِ الْعُمُومِ بِمَا عَدَّ بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يُبْنَى الْبَيَانُ عَلَى التَّمْثِيلِ أَوْ عَلَى مَا يَكُونُ أَكْثَرِيًّا لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ وَلِذَا صَارَ الْأَصْلُ فِي النِّكَاحِ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ لِلضَّرُورَةِ وَجُعِلَ ﴿مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: ٣٢] بَيَانًا لِلْجَمِيعِ لَا لِلْأَخِيرِ فَقَطْ يَخْرُجُ الْمُلَابِسُ وَالتَّجَمُّلَاتُ إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ الرِّزْقِ غَيْرُ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ ثُمَّ أَقُولُ تَفْصِيلُ مَسْأَلَةِ كَوْنِ الْأَصْلِ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةَ أَنَّهُ كَذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ كَالْكَرْخِيِّ وَفِي الْأَشْبَاهِ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَنَسَبَ الشَّافِعِيَّةُ كَوْنَهُ حُرْمَةً إلَّا بِدَلِيلِ الْإِبَاحَةِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْحَظْرُ ثُمَّ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْأَصْلُ فِيهَا التَّوَقُّفُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ حُكْمٍ لَكِنَّا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ بِالْعَقْلِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا مَا أَشْكَلَ حَالُهُ كَالْحَيَوَانِ الْمُشْكِلِ أَمْرُهُ وَالنَّبَاتِ الْمَجْهُولِ سُمِّيَّتُهُ وَالنَّهْرِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ مَمْلُوكِيَّتُهُ وَإِبَاحَتُهُ ﴿قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الأعراف: ٣٢] بِالْأَصَالَةِ أَوْ بِالِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ لَهُمْ، وَالْكَفَرَةُ وَإِنْ شَارَكُوهُمْ فِيهَا فَتَبَعٌ ﴿خَالِصَةً﴾ [الأعراف: ٣٢] بِالرَّفْعِ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ أَيْ هِيَ مَخْصُوصَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الأعراف: ٣٢] ظَرْفٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فَيَشْتَرِكُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ فِي الدُّنْيَا وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَهِيَ رَاجِعٌ إلَى الزِّينَةِ وَالطَّيِّبَاتِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي الزِّينَةِ وَالطَّيِّبَاتِ فِي الدُّنْيَا

1 / 120