فواجب على كل بالغ عاقل أن ينظر في نجاته، ولن ينتفع ناظر بنظره إلا بسلامة قلبه من الزيغ، وطهارته من الهوى، وبراءته من إلف العادة التي عليها جرى، والقصد بإرادته ونيته إلى العدل والنصفة، وإعطائه كل أمر من الأمور بقسطه، والحكم عليه بقدره، وأخذ نفسه بالوظائف المؤدية له إلى النجاة، وحراسة قلبه من الأمور المسلمة له إلى الضلال، والحائلة بينه وبين حسن الإصطفاء، وإصابة الصواب(1)، وترك التقليد، ويكون طالبا لقيام الحجة، لازما لمنازل القرآن، متمسكا به، مؤثرا له على ما سواه، ملتمسا للهدى فيه، فلن يعدم الهدى من قصد قصده(2)؛ لأن الله جل ذكره ضمن لمن اتبع هداه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.
فبمثل هذه الشروط يستبان البرهان، ويستشف الغامض من الصواب، وتستبان دقائق العلوم، ويهجم على مباشرة اليقين بربه، فيهتك الشكوك عن قلبه، ويؤيد بنصرته، ويسعد في درجات اليقين بربه، أولئك أهل العقول الراجحة، والفطن الصحيحة، والآراء السليمة، وأولئك بقية الله في خلقه، وخيرته من عباده، وخلصاؤه من بريته، وأوتاد أرضه، ومعادن دينه.
تم والحمد لله وحده، تم كتاب البالغ المدرك وصلواته على محمد النبي وآله وسلم تسليما.
صفحة ١٧٥