البحر المحيط في أصول الفقه

بدر الدين الزركشي ت. 794 هجري
57

البحر المحيط في أصول الفقه

الناشر

دار الكتبي

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٤ هجري

مكان النشر

القاهرة

[مَسْأَلَةٌ أَدِلَّةُ الْعُقُولِ] ِ] قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ: أَنْكَرَ دَاوُد وَأَصْحَابُهُ أَدِلَّةَ الْعُقُولِ. وَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ إلَى أَنَّهَا صَحِيحَةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُحْوِجْنَا إلَيْهَا؛ لِأَنَّ أَوَّلَ مَحْجُوجٍ بِالسَّمْعِ آدَم ﵇ حَيْثُ قِيلَ لَهُ: " لَا تَأْكُلْ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَدِلَّةَ الْعَقْلِ قَدْ كُفِينَا الْأَمْرَ فِيهَا وَاسْتَقْلَلْنَا بِالسَّمْعِ. قَالَ: وَعِنْدَنَا أَنَّ دَلَائِلَ الْعُقُولِ صَحِيحَةٌ بِهَا نَدْرِي الْأَشْيَاءَ، لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُعْجِزَةِ إنَّمَا دَلَّ عَلَيْهَا الْعَقْلُ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأحقاف: ٢٦] وَلَمْ يُرِدْ سُبْحَانَهُ بِالْأَفْئِدَةِ قِطْعَةَ اللَّحْمِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ التَّمْيِيزَ، وَبِهَذِهِ الْآيَةِ اُحْتُجَّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْعَقْلِ الْفُؤَادُ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: الَّذِي عَلَيْهِ الْإِسْلَامِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْعُقُولَ طُرُقُ الْمَعْلُومَاتِ. قَالَ: وَأَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ ذَلِكَ، وَقَالُوا: لَا يُعْرَفُ شَيْءٌ إلَّا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ. فَرْعٌ [قَضَايَا الْعُقُولِ] وَقَضَايَا الْعُقُولِ ضَرْبَانِ: مَا عُلِمَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ كَالتَّوْحِيدِ، فَيُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ، وَإِنْ كَانَ عَنْ اسْتِدْلَالٍ لِلْوُصُولِ إلَيْهِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ. وَمَا عُلِمَ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَهُوَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ كَآحَادِ الْأَنْبِيَاءِ إذَا ادَّعَى النُّبُوَّةَ،

1 / 59