222

البحر المحيط في أصول الفقه

الناشر

دار الكتبي

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٤ هجري

مكان النشر

القاهرة

[مَسْأَلَةٌ تَعْرِيفُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ]
ِ كَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تَذْكُرَ صَدْرَ الْأَصْلِ السَّابِقِ وَهُوَ تَعْرِيفُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ. قَدْ أَطْلَقَ الْأُصُولِيُّونَ الْقَوْلَ بِمُقَابَلَةِ الْحَسَنِ بِالْقَبِيحِ، وَإِنَّمَا يُقَابَلُ الْحَسَنُ بِالسَّيِّئِ وَالْقَبِيحُ بِالْجَمِيلِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء: ٧] وَقَالَ: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ﴾ [فصلت: ٣٤] وَمِنْ حُكْمِ التَّقَابُلِ مُقَابَلَةُ الْأَعَمِّ بِالْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ بِالْأَخَصِّ، وَالْقَبِيحُ أَخَصُّ مِنْ السَّيِّئِ كَمَا أَنَّ الْجَمِيلَ أَخَصُّ مِنْ الْحَسَنِ، وَأَبْلَغُ مِنْ الْمَدْحِ مَعَهُ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: حَسَنٌ جَمِيلٌ، وَلَا يُقَالُ: جَمِيلٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ مِنْ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَأَمَّا حَقِيقَتُهُمَا فِي الِاصْطِلَاحِ فَيُؤَوَّلُ إلَى تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِالشَّيْءِ عَلَى صِفَةٍ، وَلَيْسَا رَاجِعِينَ إلَى الذَّوَاتِ كَمَا سَبَقَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالرَّوَافِضِ، حَيْثُ قَالُوا: إلَى نَفْسِ الذَّوَاتِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ نُفُوسِهَا. هَذَا قَوْلُ الْقُدَمَاءِ مِنْهُمْ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى اخْتِصَاصِ هَذَا الْمَعْنَى بِالْقَبِيحِ فَرَأَوْهُ رَاجِعًا إلَى الذَّاتِ بِخِلَافِ الْحَسَنِ. وَعَكَسَ بَعْضُهُمْ فَرَأَى الْحَسَنَ يَرْجِعُ إلَى الذَّاتِ بِخِلَافِ الْقَبِيحِ، وَأَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذِهِ الْمَذَاهِبَ الثَّلَاثَةَ، وَزَعَمَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُرِيدُونَ بِمَا أَطْلَقُوهُ مِنْ صَرْفِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ إلَى أَعْيُنِ الذَّاتِ أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَدْرَكُ فِيهَا بِالْعُقُولِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى بَعْثِ الرَّسُولِ. انْتَهَى.

1 / 224