169

البحر المحيط في أصول الفقه

الناشر

دار الكتبي

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٤ هجري

مكان النشر

القاهرة

وَالْحُكْمُ يُطْلَقُ عَلَى هَذِهِ الْجِهَاتِ كُلِّهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقًا وَافْتِرَاقًا، وَمَا وَقَعَ بِهِ الِاتِّفَاقُ إنَّمَا هُوَ الْخِطَابُ فَقَطْ.
[وُجُوهُ الِافْتِرَاقِ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ] وَيَفْتَرِقَانِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ التَّكْلِيفِيَّ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ، وَالْوَضْعِيَّ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، فَلَوْ أَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ أَوْ الصَّبِيُّ شَيْئًا ضَمِنَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ وَالْوَلِيُّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ. الثَّانِي: أَنَّ التَّكْلِيفِيَّ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْكَسْبِ بِخِلَافِ الْوَضْعِيِّ، وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَ خَطَأً وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ مُكْتَسَبًا لَهُمْ. فَوُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّكْلِيفِ لِاسْتِحَالَةِ التَّكْلِيفِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ فِعْلَ الْغَيْرِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ فِي ذِمَّتِهِمْ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْوَضْعِيَّ خَاصٌّ بِمَا رُتِّبَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى وَصْفٍ، أَوْ حِكْمَةٍ، إنْ جَوَّزْنَا التَّعْلِيلَ بِهَا، فَلَا يَجْرِي فِي الْأَحْكَامِ الْمُرْسَلَةِ الْغَيْرِ الْمُضَافَةِ إلَى الْأَوْصَافِ، وَلَا فِي الْأَحْكَامِ التَّعَبُّدِيَّةِ الَّتِي لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهَا.
وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ، ثُمَّ جُنَّ، ثُمَّ قَتَلَ صَيْدًا لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ فِي مَالِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَوَجَّهَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الصَّيْدَ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ قَتْلِهِ تَعَبُّدًا، فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مُكَلَّفٍ. قُلْت: وَبِهِ يَظْهَرُ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَقَالَ: الْأَرْجَحُ فِيهِ الضَّمَانُ

1 / 171