136

البحر المحيط في أصول الفقه

الناشر

دار الكتبي

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٤ هجري

مكان النشر

القاهرة

وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ تُفِيدُ أَنَّ نِزَاعَهُمْ فِي الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ، وَعَلَى هَذَا احْتِجَاجُهُ بِمَا ذُكِرَ لَا يَقْوَى؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّعَدُّدِ فِي اللَّفْظِيِّ وَالرَّسْمِيِّ، وَقَدْ نَبَّهَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّ امْتِنَاعَ تَعَدُّدِ الْحَدَّيْنِ الذَّاتِيَّيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الذَّاتِيِّ بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ فَهْمُ الذَّاتِيِّ قَبْلَ فَهْمِهِ. فَإِنَّ الْقَصْدَ بِهِ فَهْمُ ذَاتِيَّاتِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ حِينَ فُهِمَ جَمِيعُ ذَاتِيَّاتِهَا؛ لِأَجْلِ التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ. وَوُجُودُ اشْتِمَالِهِ عَلَى ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ التَّعَدُّدِ، وَسَكَتَ عَمَّا يَقْتَضِيهِ التَّعْرِيفَانِ الْأَخِيرَانِ لِلذَّاتِيِّ، بَلْ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُمَا لَا يَقْتَضِيَانِ امْتِنَاعَ التَّعَدُّدِ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ خِلَافٌ فِي التَّعَدُّدِ فِي الْحَقِيقِيِّ، وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ بِجَوَازِ التَّعَدُّدِ فِي الرَّسْمِيِّ وَاللَّفْظِيِّ. أَمَّا اللَّفْظِيُّ فَلِأَنَّهُ يَكْثُرُ بِكَثْرَةِ الْأَسَامِي الْمَوْضُوعَةِ لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا الرَّسْمِيُّ فَلِأَنَّ عَوَارِضَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَلَوَازِمَهُ قَدْ تَكْثُرُ بِخِلَافِ الْحَقِيقِيِّ، فَإِنَّ الذَّاتِيَّاتِ مَحْصُورَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا لَمْ يَكُنْ حَدًّا حَقِيقِيًّا. وَإِنْ ذَكَرَ مَعَهَا زِيَادَةً فَهِيَ حَشْوٌ، فَإِذَنْ الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ لَا يَتَعَدَّدُ.
[التَّنْبِيهُ] الثَّالِثُ [الْفَصْلُ هَلْ هُوَ عِلَّةٌ لِوُجُودِ الْجِنْسِ؟] اخْتَلَفُوا أَنَّ الْفَصْلَ هَلْ هُوَ عِلَّةٌ لِوُجُودِ الْجِنْسِ؟ فَقَالَ ابْنُ سِينَا وَغَيْرُهُ. نَعَمْ، لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ جِنْسٍ مُجَرَّدٍ عَنْ الْفُصُولِ، كَالْحَيَوَانِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ. وَخَالَفَهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ؛ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُرَكَّبَةَ مِنْ ذَاتٍ وَصِفَةٍ أَخَصُّ

1 / 138